لقد ارتضت واشنطن لنفسها ان تتحول الى دولة مافيوية كبرى لا تتورع عن تنفيذ اقذر المهمات الاجرامية ضد الدول والشعوب تحقيقا لاستراتيجيتها الاستكبارية التي تتركز حاليا في السيطرة على منابع النفط في المنطقة ومساندة دور المنظمات الارهابية بما يخدم برامجها الهيمنية ومنها انزال "صفقة القرن" المشبوهة حيز التنفيذ.
المتابع للاستراتيجية الاميركية طيلة العقود الثلاثة الماضية لا يجد غرابة ايضا في جنوح الولايات المتحدة الى استخدام اسلوب الارهاب والقرصنة بنفسها كما تجسد في اغتيالها للقائدين الكبيرين الشهيدين الفريق قاسم سليماني والحاج ابو مهدي المهندس ورفاقهما الابرار، وقيامها بالقرصنة الجوية فوق اجواء سوريا ضد طائرة مدنية ايرانية كانت في رحلة عادية من طهران الى بيروت.
من الواضح ان صناع القرار في البيت الابيض والخارجية والبنتاغون والسي آي ايه ومعظمهم ممن تلطخت اياديهم بدماء الابرياء في فيتنام وافغانستان والعراق وفلسطين وسوريا، يجدون في ارهاب الامم والشعوب وسيلة رخيصة للإخلال بالامن والسلام والاستقرار في البلدان الرافضة للسلوكيات الاميركية الرامية الى حرمان الآخرين من سيادتهم وحقوقهم ومنجزاتهم، وهو ما يحفز واشنطن على رعاية بؤر الارهاب والتزام المجرمين والقتلة الذين باعوا اوطانهم بثمن بخس ولا يترددون في ازهاق ارواح مواطنيهم.
ان نموذج الارهابي الخائن "جمشيد شارمهد" زعيم عصابة "تندر" الذي اصطادته قوى الامن الايرانية والقت القبض عليه بعدما كان يحسب انه في حماية الاستخبارات الاجنبية (السي آي ايه والموساد)، هو نموذج صارخ للنذالة التي وصلت اليها الولايات المتحدة وهي تسوغ قتل المواطنين الآمنين في شيراز والمحافظات الايرانية الاخرى لا لذنب سوى رفض الجمهورية الاسلامية ان تعود ايران قاعدة للامبريالية الاميركية والصهيونية البغيضة.
في هذا المجال جاء تصريح رئيس السلطة القضائية في البلاد سماحة حجة الاسلام والمسلمين السيد ابراهيم رئيسي الذي حذر الولايات المتحدة واوروبا من مغبة تحويل اراضيهما الى ملاذ للارهابيين حول العالم في اشارة واضحة الى ان اميركا تتبنى الارهاب وتوفر له المناخ والبيئة والمتطلبات الاستخبارية الدنيئة للاعتداء على ارواح الناس وممتلكاتهم وامانهم ومعايشهم الكريمة.
واقع الامر ان الحكومة الاميركية تخلت عن كل قيمة حضارية واخلاقية كانت تتشدق بها بعدما تجاهلت الجرائم والاعمال الوحشية التي ترتكبها عصابات منحرفة مثل "منظمة خلق" وطالبان والقاعدة. وما تعامي الولايات المتحدة عن زحف "داعش" الى الموصل في طابور من الناقلات الحديثة واحتلالها ، الا دليل قاطع على ان هذا العالم اصبح اليوم رهينة لزمرة من القراصنة وقطاع الطرق والارهابيين الاميركيين الذين لا تهمهم سوى تحقيق مصالحهم الوضيعة حتى ولو كان ذلك على حساب تقويض الامن والسلام الدوليين.
اننا عندما نفحص اللائحة الطويلة من جرائم الحرب والاعمال الارهابية التي نفذتها اميركا في آسيا وافريقيا وحتى السياسات العنصرية التي تمارسها حيال مواطنيها السود والملونين داخل الولايات المتحدة، فاننا نصل الى نتيجة حتمية مؤداها ان عقيدة الارهاب هي جزء اساسي خطر من الايديولوجية السياسية الاميركية الميكافيلية التي لامكان فيها للانسانية والعلاقات المبدئية الخيرة.
ومن المؤكد ان الجمهورية الاسلامية تدرك حقيقة هذه العقيدة الاميركية وابعادها، وبالتالي فان ايران تراقب بدقة تفاصيلها وهي اليوم اكثر قدرة على التصدي لها ولمرتزقتها بفضل يقظة شعبها المضحي وتطور امكاناتها التقنية الامنية التي تلاحق الخونة والمتآمرين اينما كانوا.
بقلم الكاتب والاعلامي \ حميد حلمي البغدادي