أيها الإخوة والأخوات، نشرت الأخت الكريمة قصتها ضمن كتاب كتبته تحت عنوان (بزينب اقتديت وبمنبر الحسين اهتديت) ونشرته عدة من المواقع الإسلامية على شبكة الإنترنت، وقد ضمنت الكتاب أبواباً عن حياة وسيرة الصديقة زينب الكبرى – سلام الله عليها – متحدثة فيه عن رحلتها الذاتية في الهداية التي يرجع تأريخها إلى الحدود سنة ألفين وثلاث ميلادية تزامناً مع الغزو الأميركي للعراق.
ويستفاد من طيات قصة هذه الأخت الكريمة أثراً مهماً للإنجذاب إلى وقائع الملحمة الحسينية الزينبية، وهو تقوية روح الصبر على الإلتزام الديني في قلب الإنسان وبعث روح التقرب إلى الله عزوجل بالطاعات واجتناب المعاصي.
تقرأ لنا ولكم زميلتي قصة الأخت شيماء الساعدي طبق ما كتبته في كتابها المذكور.
كتبت الأخت شيماء في قصة إهتدائها للإلتزام الديني قائلة؛
(في رحلتي لأرض الشام تجددت في القلب آلام، ففي منتصف الطريق سرحت كثيراً ورجعت بالزمان إلى آلاف الأعوام وتحديداً إلى ما قبل قرابة ألف وأربع مائة عام، حيث يوم عاشوراء يوم الحزن والبلاء قتل الحسين ويوم ازداد الأنين، آه آه واحسيناه آه آه وا عباساه آه آه وا زينباه
نظرت من النافذة حسبت خطوات الطريق وصرت أفكر في تلك الأيام وسألت نفسي (كيف سبيت زينب للشام؟) ومعها هؤلاء الأرامل والأيتام وفي قلبها جمرة من الأحزان؟
فأنا كنت في سيارة ولا أشعر بتعب أو عطش ومرتاحة البال ولست في مصيبة كمصيبة زينب عليها السلام وكيف سيرت من الكوفة للشام يسوقها بالضرب والسب والشتم، الجلاد الملعون في حين أنا معي أمي وأخي، ففكرت كيف صبرت، كيف تحملت، كيف وكيف وكيف؟؟ فهي إمرأة والمرأة في تلك الحالات لا يبقى لها عقل ولا صبر، لكن زينب روحي فداها ليست كأي إمرأة فقد أثبتت للعالم منذ ذلك اليوم، بل منذ ولادتها أنها عالمة، أنها جبل الصبر، بل إن الصبر تعلم منها وصار يركع أمامها ويتفاخر بأن إسمه ارتبط بإسمها، فلن أستمر بالتفكير فهذه هي زينب أذهلت العقول بعلمها وصبرها وشموخها وعقلها.
وهكذا – مستمعينا الأطائب – هز قلب أختنا شيماء الساعدي المصاب الزينبي، فانفتحت لها آفاق الأوبة إلى الله وإلى الإلتزام الديني في الحرم الزينبي.
تتابع الأخت حكايتها قائلة: (وصلنا أخيراً لأرض الشام وكانت الأزقة والطرقات مظلمة لأن الوقت كان ليلاً وكنت أترقب متى أرى منارة أو أي شيء يدلني لقبر العقيلة (ع) فانتظرت بشوقي ولهفتي إلى الصباح وأخيراً تم اللقاء أخيراً أصبحت في رحاب العقيلة أصبحت في أحضانها، خاطبتها قائلة: زينب زينب، سلام عليكم مولاتي سلام عليك بما صبرتي وتحملتي ها أنا جئتك فاستقبليني يا ساكنة قلبي جئتك محملة بذنوبي ها أنا جئت إليك أعلن توبتي فدليني إلى الطريق يا حبيبتي...
عانقت الضريح وجلست أستريح في رحاب العقيلة أنظر إلى شموخها إلى هيبتها إلى علمها ونورها، صرت كل يوم أذهب لأزور الحبيبة زينب (ع) في الفجر والظهر والمساء، أرتوي من فيض كرمها ونورها الساطع الذي دخل قلبي وإنارة من الظلمات، فقد اهتديت بنور العقيلة.
فعند عودتي إلى الديار إلى وطني العراق إلى مدينتي بغداد، وبعد عدة أيام أو أسابيع، لا أذكر، رأيتها في منامي، وجدتها أمامي غارقة بالحجاب مرتدية السواد لم أر منها سوى عينيها التي أبهرني بريقها حتى وقفت مذهولة، ثم أومأت إلي بيدها الكريمة وكان هناك ظلام من حولي يسود كل المكان، فصرت أسير خلفها وأرى أمامها النور، كلما سارت فالنور أمامها وهي ما زالت تشير لي بأن أتبعها إلى أن وصلنا إلى باب حجرة، فدخلت روحي فداها، وأشارت إلي أن أدخل ولكني ترددت ومشيت ببطء حتى وصلت عتبة الباب وإذا بي أرى سيدي ومولاي الإمام السجاد (ع) جالساً على كرسي منحني الظهر، ابتسم إلي وأشار لي بالدخول، فدخلت والحجرة كلها مضيئة بالنور تاركة خلفي ظلام دامس.. صحوت من نومي وعلمت من خلال هذا المنام أن حبيبتي زينب (ع) دلتني إلى طريق النور بعد أن كنت في ظلام، ومن هنا بدأت رحلتي والعقيلة زينب –عليها السلام-.
وكانت هذه الرؤيا الصادقة هداية إلهية للأخت شيماء الساعدي جذبتها إلى الحب المقدس للعقيلة الطاهرة زينب الكبرى – عليها السلام – وهو الحب الذي أخذ بيدها إلى رحاب التسامي الروحاني، تقول أختنا؛
هذه هي رحلتي التي لم تنتهي بعد مع عقيلة الوحي وجبل الصبر زينب إبنة علي – عليه السلام – في هذه الرحلة أصبح عقلي وروحي وكل كياني لا ينفك، يفكر في سيدتي الحوراء (ع) وعينيها التي لا تفارق خيالي، ومنذ ذلك اليوم وأنا مجنونة بعشق زينب (ع) لذلك لقبت نفسي بعاشقة زينب – عليها السلام -.
هناك قضايا وأحداث حصلت لي أخذتني إلى أرض كربلاء إلى يوم الطف الأليم وكيف صبرت زينب سلام الله عليها في تلك الفاجعة؟ ومن الأحداث التي أثرت في نفسي وغيرت حياتي وكان السبب في نقطة التحول التي حصلت لي هي حادثة سقوط صاروخ من نوع ما يسمى (كاتيوشا) الذي يبلغ طوله متر، أبعد الله عنكم كل سوء، سقط في غرفة أخي وكان أخي متواجد مع إبنه الصغير والوحيد (حسين) عمره ۳ سنوات وكان الوقت العاشرة مساءً، أصبح المنزل مظلم لأننا قمنا بفصل إغلاق الكهرباء لتجنب حدوث تماس كهربائي يؤدي إلى حريق، ملأ المكان بالغبار الكثيف والدخان من شدة الضربة ولكن الحمد لله أن الصاروخ لم ينفجر، لكنه ظل يدور في أرجاء الحجرة التي أصابها إلى أن استقر وتوقف.
هذه الحادثة التي جاءت ضمن حوادث الغزو الأميركي للعراق، شكلت بلطف الله منعطفاً مهماً في حياة الأخت شيماء الساعدي ببركة حبها الزينبي وتفاعلها مع المظلومية الزينبية، تقول الأخت شيماء، في تتمة حديثها؛
كان باب الغرفة موصداً من أثر الضغط الذي ولدته ضربة الصاروخ وبصعوبة فتحنا الباب، ثم دخل إخوتي وأخرجوا أخي المصاب وإبنه وكانت الغرفة في حالة صعبة جداً بسبب الغبار والظلام، وقتها كنت مذهولة ومرعوبة لكن رغم ذلك سارعت إلى حجرتي وارتديت حجابي وسترت نفسي لأن الكثير من الناس توافدوا للبيت بغية المساعدة، جزاهم الله خيرا، وقبل دخولهم للمنزل حملت المصباح لأضيء لإخوتي الطريق ولينظروا إصابة أخي وماذا حل به.. كان أبي رحمه الله، جالس على الأرض وواضع رأس أخي في حجره ويبكي ويصرخ من شدة الفزع لأنه رأى الدماء على رأس أخي، فكان متخوف من إصابة أخي في رأسه، وعندما جئت أضيء لأبي لكي ينظر ويطمئن، وقعت عيني على قدم أخي ورأيت ذلك المنظر الذي أصابني بذعر شديد وصرخت مما رأيت ومنذ هذه اللحظة وبعدما أخذوا أخي وإبنه للمستشفى سكن روعي، جلست أفكر في العقيلة زينب (ع) سألت نفسي كيف تحملت زينب (ع) رؤية أخيها الحسين وهو مخضب بالدماء ومقطع الأشلاء؟؟ صرت أصرخ ودموعي جارية وبحرقة قلب، يا زينب يا زينب كيف صبرتي، ساعد الله قلبك يا مولاتي، أنا مجرد رأيت أخي مجروحا في قدمه أصابني الهلع والخوف وكاد قلبي يتوقف، فكيف بأخيك الحسين (ع) وكان مقطع الأشلاء وتدوس الخيل بجسده الشريف وكل الفاجعة التي شاهدتيها في يوم الطف؟ كيف صبرت يا مولاتي؟
ومن هنا ومنذ ذلك اليوم لا يفارق عقلي التفكير بصبر العقيلة (ع) صرت كلما أرى مصيبة أو أي مشكلة أو بلاء، أذهب في التفكير بصبر العقيلة (ع) وأجعل مصيبتها أمامي دوماً، وكل ما يتعلق بالعقيلة من حجاب وعفة وكل شيء أصبح جل إهتمامي أن أعرف تاريخ حياتها، صممت على السير بخطاها وبذلك أصبحت قدوتي في كل شيء اتخذتها قدوة وفكرت كيف أكون سائرة على نهجها ونهج أمها وأهل البيت (ع) أجمعين، وصار هدفي كيف أخدم أهل البيت (ع) وكيف أدافع عنهم وأجاهد في نيل رضاهم الذي به يرتضي الله علينا لأن من رضي عنه أهل البيت (ع) رضا الله عنه ((رضا الله رضانا أهل البيت)) من هنا أحبتي، بزينب اقتديت سلام الله عليها.
كان هذا الشطر الأول من قصة إهتداء الأخت شيماء الساعدي للصبر الإيماني وإستقامة الإلتزام الديني ببركة التفاعل الوجداني الصادق مع وقائع ملحمة الطف الخالدة، وقد نقلناها لكم من كتابها الذي نشرته تحت عنوان (بزينب اقتديت وبمنبر الحسين اهتديت) وسننقل لكم بإذن الله الشطر الثاني من هذه القصة المؤثرة في حلقة مقبلة من برنامجكم (بالحسين اهتديت) يأتيكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.. تقبل الله منكم حسن الإصغاء ودمتم في رعاية سالمين.