بسم الله والحمد لله الذي أشرقت أنوار جماله المستبين في سيرة صفوته المنتجبين الحبيب المصطفى الأمين محمد وآله الأطيبين الطاهرين، صلوات الله وتحياته وبركاته عليهم أجمعين.
السلام عليكم أيها الإخوة والأخوات ورحمة من الله وبركات؛ معكم بتوفيق الله في لقاء جديد من هذا البرنامج، نستكشف فيها جماليات التفاني في التسليم لأمر الإمام الحق بعد أن اتضح إرتباطه بالله تبارك وتعالى، تسليم تجلى في سلوكيات عائلة أسلمت قبيل واقعة عاشوراء فحسن إسلامها بذلكم التسليم الفريد لمشيئة الله ذي الصنع الجميل ووليه مظهر جلاله وجماله تبارك وتعالى تابعونا مشكورين.
نبدأ أيها الأفاضل بمشهد إسلام هذه العائلة المسلمة لأمر الله ووليه جل جلاله وجمل جماله.
قال سماحة الشيخ عبد العظيم المهتدي البحراني في كتاب (أخلاق الإمام الحسين عليه السلام)؛ ذكر المؤرخون:
لما وصل الحسين (عليه السلام) الى صحراء الثعلبية في طريقه الى كربلاء شاهد خيمة متردية تعبر عن فقر ساكنيها، فدنا إليها فرأى هناك إمرأة كبيرة السن، عليها ثياب رثة لشدة فقرها، فسألها عن حالها؟ فقالت: إنها قد أضر بها وبأغنامها الجفاف، وأن إبنها (وهب) وزوجته (هانية) ذاهبان بحثاً عن الماء.
فقلع الإمام الحسين (عليه السلام) صخرة في مكانه فخرج من تحتها نبع من الماء الزلال. فسرت المرأة وشكرت الإمام (عليه السلام)، ثم واصل الإمام طريقه الى كربلاء. وحينما جاء إبنها (وهب) فرأى ذلك إنبرى مدهشاً يسأل أمه من أين حصل هذا؟ فأخبرته بالأمر، كان الإبن في ليلته قد رأى في المنام الإمام الحسين (عليه السلام). فقال لأمه فوراً: قومي لنلتحق به. فتحرك وهب أمه وزوجته – وكانوا على دين المسيح عيسى عليه السلام – حتى وصلوا الى قافلة الحسين، فأسلموا على يديه، كان وهب مع الحسين في يوم عاشوراء واحداً من الشهداء السعداء.
مستمعينا الأكارم، ولآية الله السيد عبدالحسين شرف الدين عرض جميل في كتاب المجالس الفاخرة في مصائب العترة الطاهرة، لرواية جهاد هذه العائلة الكرمية بين يدي سيد الشهداء – صلوات الله عليه – وفي هذه الرواية تتجلى جماليات عدة لتقديم الحق والتسليم له على كل شيء، قال السيد شرف الدين:
(ذكرت من حال هذه المرأة الصالحة، حال أم وهب بن حباب الكلبي، يوم عاشوراء حين برز الى ثلاثين ألفاً فأحسن في الجلاد، وبالغ في الجهاد، وكانت معه إمرأته ووالدته فرجع إليهما وقال: يا أماه أرضيت أم لا؟ فقالت: يا بني ما رضيت حتى تقتل بين يدي الحسين عليه السلام. وقالت إمرأته: بالله عليك لا تفجعني بنفسك. فقالت له أمه: يا بني أعزب عن قولها، وارجع فقاتل بين يدي إبن بنت نبيك تنل شفاعة جده يوم القيامة. فرجع ولم يزل يقاتل حتى قطعت يداه في سبيل الله تعالى، فأخذت إمرأته عموداً وأقبلت نحوه وهي تقول: قاتل فداك أبي وأمي يا وهب دون الطيبين من حرم رسول الله صلى الله عليه وآله. فقال لها: كيف كنت تنهيني عن القتال، والآن تأمرينني به؟ قالت: لا تلمني يا وهب، فإني سمعت من سيدي ومولاي الحسين كلمة كسرت قلبي، سمعته يقول: أما من ناصر فينصرنا؟ أما من موحد يخاف الله فينا؟ أما من ذاب يذب عن حرم رسول الله؟ وأصرت هذه المرأة على الجهاد مع وهب فأقبل كي يردها الى النساء، فأخذت بجانب ثوبه، وقالت: لن أعود حتى أموت معك. فقال الحسين عليه السلام: جزيتم عن أهل بيتي خيرا، إرجعي الى النساء رحمك الله، فانصرفت إليهن، ولم يزل يقاتل حتى قتل – رحمه الله تعالى -.
رجال تواصوا حيث طابت أصولهم
وأنفسهم بالصبر حتى قضوا صبرا
حماة حموا خدرا أبى الله هتكه
فعظمه شأناً وشرفه قدرا
أيها الأخوات والإخوة، ويتجلى التسليم لأمر الله والحمد الجميل صنعه بالمضحين في سبيله في موقف زوجة وهب – رضوان الله عليهما – وهي تجلس عند مصرع رفيق رحلتها الى الله. قال العلامة الشيخ محمد السماوي في كتاب إبصار العين في أنصار الحسين وهو يذكر زوجة وهب أول شهيدة في الملحمة العاشورائية، قال:
وانجلت الغبرة فخرجت إمرأة الكلبي تمشي الى زوجها حتى جلست عند رأسه تمسح التراب عنه وتقول: هنيئاً لك الجنة! أسأل الله الذي رزقك الجنة أن يصحبني معك، فقال شمر لغلامه رستم: إضرب رأسها بالعمود، فضرب رأسها فشدخه، فماتت مكانه.
وتستمر أنوار هذه الجمالية لتشتد عنفواناً في موقف أم هذا المجاهد الحسيني وهي تستلم لأمر مولاها الحسين وتجد فيه رجاها، جاء في موسوعة البحار:
قال محمد بن أبي طالب: رأيت حديثاً أن وهب هذا كان نصرانياً، فأسلم [هو وأمه] على يد الحسين (عليه السلام) فقتل في المبارزة أربعة وعشرين رجلاً وإثني عشر فرساً، ثم أخذ أسيراً، فأتى به عمر بن سعد، فقال: ما أشد صولتك! ثم أمر فضربت عنقه، ورمى برأسه الى عسكر الحسين – عليه السلام – فأخذت أمه الرأس فقبلته، ثم رمت بالرأس الى عسكر ابن سعد فأصابت به رجلاً فقتلته، ثم شدت بعمود الفسطاس فقتلت [به] رجلين، فقال لها الحسين: إرجعي يا أم وهب، أنت وإبنك مع رسول الله – صلى الله عليه وآله – في الجنة، فإن الجهاد مرفوع عن النساء، فرجعت وهي تقول: إلهي لا تقطع رجائي، فقال لها الحسين – عليه السلام - : لايقطع رجاءك يا أم وهب.
تقبل الله منكم أيها الأطائب طيب المتابعة لحلقة اليوم من برنامجكم ما رأيت إلا جميلا إستمعتم لها مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، دمتم بكل خير وفي أمان الله.