وقد كان في تصوّر المأمون أنّ المَخرج من الأزمة السياسية التي أحاطت به هو مخاطبة الإمام عليه السلام بقبول ولاية العهد والمشاركة في إدارة شؤون الدولة؛ لكي يستطيع المأمون من ضَمِّ قوى المعارضة وجمع جناحي القوّة العلوية والعبّاسية بيده.
عرض المأمون ولاية العهد على الإمام الرضا عليه السلام
عن أبي الصلت الهروي قال: إنّ المأمون قال للرضاعليه السلام: يابن رسول الله، قد عرفت فضلك وعلمك وزهدك وورعك وعبادتك، وأراك أحقّ بالخلافة منّي.
فقال الرضا عليه السلام: «بالعبودية لله عزّ وجلّ افتخر، وبالزهد في الدنيا أرجو النجاة من شرّ الدنيا، وبالورع عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم، وبالتواضع في الدنيا أرجو الرفعة عند الله عزّ وجلّ».
فقال له المأمون: إنّي قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة وأجعلها لك وأبايعك.
فقال له الرضا عليه السلام: «إن كانت الخلافة لك وجعلها الله لك، فلا يجوز أن تخلع لباساً ألبسك الله وتجعله لغيرك، وإن كانت الخلافة ليست لك، فلا يجوز لك أن تجعل لي ما ليس لك».
فقال له المأمون: يابن رسول الله، لابدّ لك من قبول هذا الأمر، فقال: «لست أفعل ذلك طائعاً أبداً». فما زال يجهد به أيّاماً حتّى يئس من قبوله.
فقال له: فإن لم تقبل الخلافة ولم تحب مبايعتي لك، فكن ولي عهدي لتكون لك الخلافة بعدي.
فقال الرضا عليه السلام: «والله لقد حدّثني أبي عن آبائه، عن أمير المؤمنين، عن رسول الله صلى الله عليه وآله: إنّي أخرج من الدنيا قبلك مقتولاً بالسمّ مظلوماً، تبكي عليّ ملائكة السماء وملائكة الأرض، وأُدفن في أرض غربة إلى جنب هارون الرشيد».
فبكى المأمون العباسي ، ثمّ قال له: يابن رسول الله، ومن الذي يقتلك، أو يقدر على الإساءة إليك وأنا حيّ؟
فقال الرضا عليه السلام: «أما إنّي لو أشاء أن أقول من الذي يقتلني لقلت».
فقال المأمون: يابن رسول الله، إنّما تريد بقولك هذا التخفيف عن نفسك ودفع هذا الأمر عنك ليقول الناس: إنّك زاهد في الدنيا.
فقال الرضا عليه السلام: «والله ما كذبت منذ خلقني ربّي عزّ وجلّ، وما زهدت في الدنيا للدنيا، وإنّي لأعلم ما تريد».
فقال المأمون: وما أُريد؟ قال: «لي الأمان على الصدق»؟ قال: لك الأمان.
قال: «تريد بذلك أن يقول الناس: إنّ علي بن موسى لم يزهد في الدنيا، بل زهدت الدنيا فيه، ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعاً في الخلافة».
فغضب المأمون، ثمّ قال: إنّك تتلقاني أبداً بما أكرهه، وقد أمنت سطواتي، فبالله أقسم لأن قبلت ولاية العهد وإلّا أجبرتك على ذلك، فإن فعلت وإلّا ضربت عنقك.
فقال الرضا عليه السلام: «قد نهاني الله عزّ وجلّ أن ألقي بيدي إلى التهلكة، فإن كان الأمر على هذا فافعل ما بدا لك، وأنا أقبل ذلك، على أنّي لا أولّي أحداً، ولا أعزل أحداً، ولا أنقض رسماً ولا سنّةً، وأكون في الأمر من بعيد مشيراً» فرضي منه بذلك، وجعله ولي عهده على كراهة منه عليه السلام لذلك.
المصدر : الامالي للصدوق ص125