السلام عليكم مستمعينا الأكارم ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج.
أيها الأطائب..
إن يوم الحسين هو يوم أصحاب الكساء المطهر جميعاً.. فهم جميعاً الذي إستهدفتهم أحقاد الطغيان الأموي، وسعت الى محو ذكرهم وقطع وحيهم المتدفق عن مدينة علم سيدهم المصطفى محمد – صلى الله عليه وآله -.
وهذه من كبريات حقائق يوم الحسين التي سعى الطواغيت والمضلين لإخفائها رغم تصريح معاوية ويزيد وعديد من عساكر البغي الأموي بها وهم يرفعون يوم عاشوراء شعار: لا تبقوا لهذا البيت باقية..
وهذا شعار أفصح عن مضمونه الطاغية يزيد وهو يستقبل أسارى أهل البيت عليهم السلام بالأبيات المعروفة التي يتشفى فيها بأنه إنتقم لأسلافه وأخذ ثاراتهم وقضى ديونهم من محمد بقتل وأسر أهل بيته – صلى الله عليه وآله -.
فكان من خصائص يوم الحسين أنه كشف حقيقة أدعياء خلافة رسول الله – صلى الله عليه وآله – وأصل في الوقت نفسه أصول الدين المحمدي توحيداً وولاءً وبراءةً فأقامت فيه الصديقة الحوراء الصلاة الملكوتية المجسدة لتلكم الأصول فخذلت الى يوم القيامة.
الأستاذ الأديب الحاج إبراهيم رفاعة وفي تعليقاته القيمة على قصيدة هو قلب زينب كتب يقول:
لقد وقع الواقعة.. وقتل الحبيب الأغلى مذبوحاً أمامها على ثرى كربلاء، هنا تبتدئ ملحمة أخرى من ملاحم عقيلة الطالبيين، إنها الآن وحدها مع توأم روحها الذبيح، وتلك حكاية طويلة سامية مدماة، كل ما فيها متأله، وكل ما فيها غيب عزيز لا يعرفه أهل الأرض:
ونظرت شوقاً للذبيح بعبرة
فأتيته، والقلب قبلاً يمما
خضبت وجهي من طهور دمائه
غسلاً، وضوءً مسبغاً وتيمماً
وقصدت قبلتي الحسين وكعبة
صليت وتراً بالنياحة تمما
فرأيت بيت الله يهوي ساجداً
ويلوذ بالجسد السليب مسلما
كبرت للإحرام سبعاً عند من
لاقى الإله مصلياً بل محرما
فسمعت تكبير العوالم جهرة
ناحت معي مؤتمة نوح الإما
إنه تكبير زينب الملكوتي ونوحها على الحسين، تكبير خاص ونوح متفرد شاركتها فيهما العوالم كل عوالم الخليقة.. قد استغرقا من القصيدة ثمانية أبيات هي غاية في اللوعة والتفجع، ختمتها الصديقة بصلاة فريدة من جنس الملأ الأعلى صلتها آنذاك، صلاة فيها قراءة وقنوت وركوع وتسبيح وسجود وتشهد وتسليم.. كله من نمط لحظة الحسين، تلك القدسية الحمراء المنفتحة على الله أقرب ما يكون الإنفتاح.
نكتفي هنا بالتعرف على تسليم صلاة شقيقة الحسين:
وقرنت تسليم الصلاة ببدئها
فصلاتنا في كربلاء لن تختما
قلت: السلام على النبي وآله
من ربنا متواتراً ومتمماً
منك السلام، إليك يرجع ربنا
أنت السلام، فحينا به دائما
طيب السلام على النبي ملاذنا
والآل منه مباركاً مستتمها
طيب السلام على الحسين وولده
والصحب منه إذ فدوه أنجما
فسمعت رداً للتحية هاتفاً:
وعلى السبايا العابدات مسلما
إذن قصيدة هو قلب زينب داخلة الآن في عمق كربلاء، كربلاء في رزاياها ومصائبها ومآسيها، كما تراها عيون العلياء الصابرة زينب بنت علي أمير المؤمنين.
ودعها أخوها الشهيد المظلوم وهو في الرمق الأخير، هي أيضاً ودعته وداع من يفارق روحه التي بين جنبيه:
أأخي وداعاً يا حسين.. الى اللقا
أنعم بلقياك الحبيب منعما
ثم صلت صلاة عاشورائية عجيبة حمراء، ما صلاها غيرها أحد، صلاة تامة بكل أركانها وآدابها الملكوتية الفريدة، إنها الآن في مشهد هذا الذبيح ظلماً الذي هنئ ونعم بلقاء حبيبة الله، في عرس شهادة اختاره أخوها بنفسه.. مخلفاً العوالم وراء ظهره؛ شوقاً الى لقيا الله.
لقد جاء الحبيب حبيبه ومعه أقوى برهان للعشق، جاءه – بتدفق عشقه الفوار – مصبوغاً كل بدنه بصبغة دماء حمراء، هي صبغة مهجته القدسية.. وجاءه أيضاً بلا رأس!
المشهد – في رؤية الصديقة العظيمة – مشهد تعبد ملكوتي، ومشهد حمد علوي بين يدي الله تبارك وتعالى:
فسجدت ثانية، وقلبي قد رأى
ثغر الحسين مبضعاً متبسما
جددت شكراً لا انقضاء لطيبه
ناجيت نوراً للسما متسنما:
صلى عليك الله يا بدر الدجى
ألفاً، وألفاً مثلها قد سلما
إن من قتل اليوم على ثرى كربلاء ذبيحاً مقطعاً بالسيوف والرماح والنبال.. هو شقيق روحها الحسين، هي أيضاً استشهدت لحظة استشهاده، وها هي تري إراءة تعبد وحمد لا ينقطع أنها متوحدة به وتوأمه، وها هي ذي تمجد بطل الله المضرج بالدماء:
خضبت وجهي من دماه تيمناً
وعلى الوريد سجدت أحمد ضيغما
عانقت نحراً قطعت أوداجه
ولثمت تربته.. فكانت بلسما
قبلت منحره أعاهد ربه
عهد الوفاء، موثماً بل مبرما
أخوها أبو عبدالله جوهرة القدس الإلهية.. هو خامس الخمسة الطيبين أهل الكساء، الله جل وعلا من غيب ذاته الجليلة الجميلة هو من اختارهم واصطفاهم، وزينب سلام الله عليها هي توأم روح أخيها الحسين، دائرة الخمسة الطاهرين هي من أصيبت بمقتل الحسين؛ فإن الدائرة الخماسية لم تكتمل إلا بالحسين.
زينب المفجوعة الصابرة الحامدة حقيقة الحمد.. تتوجه الآن الى دائرة الخمسة القدسية؛ دائرة محمد وعلي وفاطمة والحسين الحليم، وهذا كمال الدائرة أخوها الذبيح الطريح بقربها على أحمر التراب:
ثم التفت الى المدينة في شجىً
فرأيت جدي باكياً مستعصما
ورأيت أمي تستغيث بلوعة
وتلوذ بالصبر الجميل تحلما
وبجنبها أخي الحليم مردداً
وعلى محياه الأسى قد خيما:
"آه لزينب والحسين، فما أتى
يوم كيومهما بما قد قدما
ما مثل يومك زينب يوم جرى
ما مثل خطبك زينب أبكى السما"
هذا مأتم المدينة، وبقي مأتم الفري في نجف أبيها الوصي أميرالمؤمنين علي:
ثم التفت الى الفري بنظرة
فرأيت كفي والدي حامي الحمى
ورأيت في عينيه حزناً شامخاً
ملأ الفؤاد سكينة وتشيما
فأخذت من صبر الوصي شموخة
ومزجته بإبا الحسين، فأفعما
والى هنا نصل مستمعينا الأطائب الى ختام حلقة أخرى من برنامج يوم الحسين قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.. شكراً لكم وفي أمان الله