السلام عليكم أيها الإخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته؛ تحية مباركة طيبة نهديها لكم ونحن نلتقيكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج.
أيها الأفاضل؛
قصيدة هو قلب زينب التي تربو أبياتها على المئتين هي من غرر القصائد الحسينية الجامعة في بيانها لخصائص يوم الحسين أو دروس القيام الحسيني المقدس.
فهي تبين كثيراً من تلكم الخصائص من خلال حوارات في عالم الملكوت والمعنى بين الله تبارك وتعالى وبين البلاء الذي تصوره القصيدة كوجود متجسد ذي شعور وهو يسجد مستسلماً لصبر زينب الصديقة الحوراء صلوات الله عليها ويناجي ربه متعجباً من صبرها أولاً وجازعاً ثانياً من عظمة المصائب التي نزلت بها منذ أن حلت في هذا العالم، ويسائل ربه الجليل تبارك وتعالى عن سر ذلكم الصبر الجميل الذي إنتصرت به الحوراء على كل تلك المصائب.
وهذا ما تعرفنا إليه أيها الأكارم في حلقات سابقة من البرنامج ومن خلال ما كتبه أستاذنا الحاج إبراهيم رفاعة عن هذه القصيدة الإلهامية الغراء حسبما وصفها الأستاذ رفاعة.
في هذا اللقاء نتابع ما كتبه حفظه الله وهو ينتقل الى بيان التعليم الزينبي لسبيل الفوز بالصبر الجميل تحت عنوان يوم الحسين مدرسة الصبر الجميل.
قال الأستاذ رفاعة:
البلاء يسمع كلام ربه عن حاجته هو الى تعلم ما يجهله عن جوهرة الصبر المتألقة، فمن أين يتعلم البلاء ما عليه أن يعرفه عن حقيقة الصبر؟!
ما من سبيل له إلا أن يقصد كعبة الصبر عقيلة آل أبي طالب شقيقة حبيب الله الحسين، إن ربه هو من دله على خزانة العلم الإلهي الغيبي العزيز:
فارجع الى أمتي العليمة خاشعاً
تنبئك علما من لدني ملهما
هذه الشهادة الإلهية للصديقة الصابرة بامتلاكها العلم المتنزل عليها من لدن الله عزوجل.. إنما هي حجة لها سلام الله عليها على من آذاها ذلكم الأذى الأسطوري الفظيع، وحجة أيضاً على من يقول إنه يود هذه الصديقة ويتعاطف معها في رزاياها الطويلة، هذه الحجة البالغة كأنما تقول لنا: ينبغي أن نعرف العقيلة معرفة لائقة بمنزلتها عند الله، وأن نقدر عظمتها تقديراً يناسب حرمتها عند الله.
رجع البلاء الى العقيلة حائراً
خجلاً يذوب، ولا يطيق تكلما
لا غرابة أن يحار البلاء أمام معدن الصبر إبنة السيد الوصيين، ولا عجب أن ينعقد في محضرها منه اللسان، أي فم تبقى له قدرة على النطق إزاء عظمة إبنة فاطمة الزهراء البتول؟! ما ثمة إلا تنكيس الرأس خجلاً، وإلا الصمت العاجز الذهول:
رجع البلاء الى العقيلة حائراً
خجلاً يذوب، ولا يطيق تكلما
حيته في ود، وقالت: مرحباً
البيت بيت الحمد وداً أفعما
الصبر بالتحميد طاب مذاقه
والشكر فيه على المصائب قدما
أهلاً حللت، مبارك من قادم
أنعم فحملك مغنم لا مغرما
هذا هو جمال اللقيا والترحيب والضيافة من آل محمد الأصفياء الأوفياء، إنها نسمة هابة يلطف من حدائق أهل البيت الفياضة بالبهجة والنضارة والبهاء، ومولاتنا زينب هي الصورة الناطقة عن آل محمد أجمعين.
بهذه التحية الزيبنية الودودة المرحبة.. يذهب خجل البلاء ويستعيد لسانه قدرته على النطق والكلام، أي شعور بالضالة والصغار يمكث في قلب هذا المخلوق المطيع حين يسمع العليمة الإلهية تطمئنه أنه إنما جاء الى بيت الحمد على البلوى لا بيت الجزع والشكوى، وتعرفه أنها متحصنة بالصبر إزاء بلاءتها؛ لأنها مزجت الصبر مزج صدق بالحمد لله المنعم الرؤوف؟!
إنها سلام اللهعليها تستقبل المصائب – قبل أن تقع المصائب – بقلب شاكر يرى نعم الله فيما يفعل، ويقدر هذه النعم أسمى ما يكون التقدير.
لابد أن يكون البلاء قد وعى الآن ما قالت له العقيلة العظيمة عن الغنيمة المستكنة في داخل البلاء، خلافاً للناس إذ يعدون البلاء النازل مغرماً وخسارة ومضرة:
أهلاً حللت، مبارك من قادم
أنعم فحملك مغنم لا مغرما
فأزاح عنه قولها استيحاشه
نادى، وأهوى ساجداً ومعظما:
يا كنز صبر الله، إنك شمسه
بضياك يغدو الصابرون الأنجما
فالصابرون يرونني ضراً لهم
نصباً، عذاباً حل فيهم، خيما
المشهد – يا أخي – هو نفسه يحكي لا يحتاج الى بسط وبيان.
كلنا نرى هنا أن البلاء الذي كان حائراً ألجم لسانه الخجل قد انبسطت أساريره لدى سماعه ما نطقت به العقيلة الصفية. وإذا فاجأه ما علمته من حقيقة حمد الله وشكره على البلايا والرزايا..
لم يستطع إلا أن يخر ساجداً في محضر علم الله الباهر وصبره الصبور. سجد البلاء هذا السجود الذي يذكر تذكيراً ساطعاً بسجود ملائكة الله لآدم في أفق علوي، ويذكر أيضاً بسجود يعقوب النبي لولده يوسف في أفق الأرض.
أدرك البلاء أنه الآن في حضرة "كنز صبر الله" لا أمام مفردة من مفردات الصبر، وأدرك أن عقيلة بني هاشم هي شمس صبر الله في سماء يستمد منها كل الصابرين، فيغدون نجوماً في آفاق هذه السماء.
وحده صبر زينب المعجون بالحمد، المسبوق أبداً بالشكر.. هو حقيقة الصبر.
البلاء الذي يتذوقه الناس قسراً فلا يجدون فيه غير طعم المرارة.. هو – في مذاق هذه المرأة الهاشمية الفذة – نعمة بهية، ولطف من ألطاف الله الخفية، لكن سنام البلاء الظاهر الذي يطفح فوقه يبدو للعين مصاباً وبلية.
إنه إذن بلاء نعمة ولطف خاص يقابل حتماً بالسجود شكراً للرب المنعم الرؤوف، سجود طوعي لدى رؤية جمال، في لحظة قدس خاضعة خاشعة للرب الجميل في صنعه الحسن في بلائه:
قالت: وربي، بل رأيتك نعمة
لطفاً خفياً بالمصاب مسنما
فسجدت شكراً.. أحمد الرب الذي
ما زال – مذ كنت – الرؤوف المنعما
صنع الجميل، وقد رأيت جماله
وعرفته بي راحماً بل أرحما
صنع الجميل، فلا أرى منه سوى
روح وريحان وطيب قدما
إن البلاء من صنع الحبيب، هو من اختاره لأحبائه الذين صفاهم واصطفاهم لنفسه، الحبيب الأول والآخر الذي لا حبيب سواه.. يقدم لمحبوبه باقة ورد رائعة التلاوين، عابقة بأزكى العبير، كيف يتلقى المحب إذن هدية الحبيب هذه؟ سيختارها راضياً ممتناً شاكراً ناطقاً بالحمد والثناء، هدية "ما يلقاها إلا الذين صبروا، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم".
قالت سلام الله عليها عن حبها لربها، وهي تخاطب البلاء:
وبحبه اخترت المصاب لحبه
طوعاً، وكان الله قدماً أرحما
وبفضله طاب المصاب، وشربه
عسلاً يصير، وكان قبلاً علقما!
ثمة سر خفي وراء هذا كله، سر عظيم صير مذاق علقم الصبر مذاق مصفى الشهد ولذيذ العسل، وحول كل خطب دهى العقيلة الهاشمية غنيمة وهبة نفيسة.
ما هو هذا السر الجليل الذي يصنع العجائب، ويكون "المحال" عنده يسيراً هيناً يسر "الممكن" المألوف؟
الواقع أنه لا قمة أشمخ من قمة الحسين، ولا دوحة باسقة فرعاء كدوحة الحسين ولا سحابة دفاقة مدرارة كسحابة أبي عبدالله.. سيد الأسرة صاحب ملحمة الله العظمى في كربلاء.
هذا الفعل المذهل إنما هو بركة من بركات كف شقيق زينب المظلومة حبيب فؤادها الشهيد المظلوم، هي صلوات الله عليها، جلت هذه الحقيقة، وباحت – رحمة بنا – بهذا السر:
مسح الحسين على الفؤاد بكفه
فغدا يرى في كل خطب مغنما
وهذا مدخل لسيرة أخرى جليلة مفصلة، تنفتح أبوابها العاشورائية في اللقاء القادم.. بإذن الله.
إنتهى مستمعينا الأفاضل"، ما كتبه لنا ولكم الأستاذ إبراهيم رفاعة عن المعنى الإلهي للبلاء هدانا إليه يوم الحسين وزينب عليهما السلام إنطلاقاً من قصيدة هو قلب زينب.. خصوصية أخرى من خصوصيات اليوم الحسيني الخالد تأتيكم مع تأملات أخرى في هذه القصيدة الغراء في الحلقة المقبلة بإذن الله من برنامجكم يوم الحسين لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران خالص الدعوات ودمتم في أمان الله.