وبعد سنوات، بعد وساطة الرئيس الأمريكي آنذاك "باراك أوباما"، وافق الكيان الصهيوني على الاعتذار ودفع التعويضات لعائلات القتلى والجرحى في تركيا. ومع ذلك، لم تتراجع التوترات بين الكيان وتركيا، خاصةً وأن دعم أنقرة وأردوغان شخصياً لحماس أدى إلى استياء الكيان الإسرائيلي بشكل واسع النطاق.
في يناير 2009، عندما عاد رجب طيب أردوغان إلى تركيا من قمة "دافوس"، استقبله ما يقرب من 5 آلاف تركي ودعوه بـ"فاتح دافوس". المشادّة الكلامية أمام وسائل الإعلام ذات الشهرة العالمية وإبداء أردوغان غضبه من جرائم الكيان الصهيوني في غزة أمام شمعون بيريز، جعلا منه بطلاً في العالم الإسلامي.
في الوقت نفسه، وبينما اعتقد الجميع أن العلاقات بين تركيا والكيان الصهيوني آخذة في التدهور، ذكر بعض المسؤولين الأتراك مثل "حسين جليك" مساعد أردوغان أن "تركيا لم تدمر بعد جميع الجسور مع الكيان الإسرائيلي، ولا تزال السفارة التركية في تل أبيب مفتوحة، وما حدث فقط هو خفض مستواها إلى سكرتير ثان".
وأوضح حسين جليك في ذلك الوقت أن "تركيا لا تقبل سياسات الكيان الإسرائيلي، وإلا فليس لديها مشكلة مع شعب إسرائيل".
ولكن حالياً ومع انتشار كورونا حول العالم، أعلنت الحكومة التركية عن خطط لبيع إمدادات طبية للكيان الصهيوني، وهو قرار يعكس جهود الجانبين للحفاظ على العلاقات الثنائية، على الرغم من بعض الخلافات.
وأفاد موقع "ميدل إيست آي" البريطاني نقلاً عن بعض الدبلوماسيين الأتراك قولهم، إن المسؤولين الإسرائيليين اتصلوا بأنقرة هذا الشهر وطالبوا بشراء معدات طبية، وإن تركيا وافقت على ذلك.
وبحسب وسائل الإعلام الصهيونية، تشمل الشحنات الأقنعة والألبسة الخاصة ومعدات الحماية الأخرى التي تصنعها تركيا، وهي للطواقم الطبية في المستشفيات الإسرائيلية. وبحسب صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، وافق رجب طيب أردوغان على إرسال المساعدات الطبية للكيان "لأسباب إنسانية".
في الوقت نفسه، دعا أردوغان الكيان الصهيوني إلى عدم عرقلة وصول السفن التي تحمل مساعدات تركية مماثلة للفلسطينيين في غزة، والسماح للسفن بالوصول إلى غزة دون أن يوقفها الكيان.
وفي اتصال هاتفي مع "إسماعيل هنية" رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في غزة، أعرب أردوغان مؤخراً عن قلقه بشأن وضع الفلسطينيين في قطاع غزة فيما يتصل بمكافحة فيروس كورونا، قائلاً إن بلاده لن تتخلى عن دعمها للفلسطينيين.
يبدو أن علاقات تركيا المتوترة مع الكيان الصهيوني تعزز بشكل جاد الرأي القائل، بأن السياسيين الأتراك يرون مصالحهم المتمثلة في فكرة إحياء الإمبراطورية العثمانية واختراق البلدان الإسلامية، في اعتماد النهج العنيف مع الصهاينة، ولكن على الرغم من الخلافات الإقليمية العميقة حول قطاع غزة والوضع في القدس المحتلة، فإنهم يصرون على الحفاظ على العلاقات مع تل أبيب.
لذا قد لا يكون من غير المعقول القول بأن ما تسميه بعض وسائل الإعلام بـ"الحرب الباردة" بين تركيا والكيان الصهيوني، قد لا يكون أكثر من "حرب مصطنعة"، لأنه ليس من المستبعد أن تكون تركيا تتبع سياسةً مزدوجةً اليوم بسبب كورونا، لأن الأزمة الناتجة عن هذا الفيروس قد ظهرت في وقت تواجه فيه تركيا تحديات اقتصادية، بما في ذلك استمرار انخفاض قيمة عملتها، حيث انخفضت العملة التركية مرةً أخرى بنسبة 12 بالمائة منذ بداية العام.
بالنظر إلى هذه الأحداث التي سبق ذكرها، ولأن الكيان الإسرائيلي حليف مهم للولايات المتحدة في المنطقة، فإن تركيا في أوقات الحاجة ومن أجل الحصول علي دعم الولايات المتحدة في مختلف القضايا السياسية والاقتصادية، قد قامت بتغيير أو تعديل بعض سياساتها وخطاباتها تجاه الكيان ولو مؤقتًا، وحاولت البقاء على اتصال مع الشراكات الجديدة مع الغرب وأوروبا، بشكل يحفظ علاقاته مع إخوانه المسلمين في المنطقة من ناحية أخرى أيضاً.
موقع الوقت التحليلي