بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأفضل صلوات المصلين على سيدنا محمد وآله الطاهرين . السلام عليكم أحبتنا القرانيين ورحمة الله وبركاته يتجدد لقائنا بكم عند مائدة القران الكريم لننهل من فيضه المبارك ونجعله منهاج حياتنا بتوفيق منه تعالى .نتوقف في هذه الحلقة عند الايات 7-9 من سورة غافر والبداية مع الانصات إلى تلاوة الاية 7 منها :
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴿٧﴾
نزلت الآية لتكون بشرى للمؤمنين الصابرين، بأنّهم ليسوا وحدهم، فينبغي أن يشعروا بالغربة أبداً، فحملة العرش الإلهي والمقربون منه، وكبار الملائكة معهم يؤيدونهم، إنّهم في دعاء دائم لهم، ويطلبون لهم من الله النصر في الدنيا وحسن الثواب في الآخرة... وهذا هو أفضل أُسلوب للتعاطف مع المؤمنين في ذاك اليوم، وهذا اليوم، وغداً. أمّا قولهم ودعاؤهم فهو: (ربّنا وسعت كلّ شيءرحمة وعلماً) إشارة إلى أن الله تعالى عالم بذنوب عباده المؤمنين ورحيم بهم ثم تتابع الاية : (فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم).يوضح هذا الكلام بأنّ المؤمنين ليسوا وحدهم الذين يعبدون الله ويسبحونه ويحمدونه، فقبلهم الملائكة المقرّبون وحملة العرش ومن يطوف حوله، يسبحون الخالق جلّ وعلا ويحمدونه.وهي من جانب آخر تحذر الكفّار وتقول لهم: إنّ إيمانكم أو عدمه ليس مهمّاً، فالله غني عن العباد لا يحتاج إلى إيمان أحد، وهناك الملائكة يسبحون بحمده ويحمدونه وهم من الكثرة بحيث لا يمكن تصوّرهم بالرغم من أنّه غير محتاج إلى حمد هؤلاء وتسبيحهم.
ومن جانب ثالث، في الآية إخبار للمؤمنين بأنّهم ليسوا وحدهم في هذا العالم - بالرغم من أنّهم أقلية في محيطهم - فأعظم قوّة غيبية في العالم وحملة العرش هو معهم ويساندونهم ويدعون لهم، وهم في نفس الوقت يسألون الله أن يشملهم بعفوه ورحمته الواسعة، وأن يتجاوز عن ذنوبهم وينجيهم من عذاب الجحيم.
تتضمن الاية بعضا من المفاهيم منها :
- إن الملائكة يدعون للمؤمنين ويستغفرون الله لهم .
- إن الدعاء للاخرين من عمل الملائكة فلنتعلم من الملائكة ولندعوا لبعضنا البعض .
- إن الإيمان والعمل الصالح هما الحبل المتين الذي يوصل الإنسان بالله ملائكته.
و الان نستمع إلى تلاوة الايتين 8-9 من سورة غافر المباركة:
رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿٨﴾
وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ ۚ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿٩﴾
الآية الأولى تبدأ بكلمة (ربّنا) التي يطلب حملة العرش والملائكة المقرّبون بها من خالقهم - بإصرارـ أن يتلطف بعباده المؤمنين، ويركزّون في هذا الطلب على مقام ربوبيته تعالى، هؤلاء لا يريدون من خالقهم انقاذ المؤمنين من عذاب القيامة وحسب، بل إدخالهم في جنات خالدة، ليس وحدهم وإنّما مع آبائهم وأزواجهم وأبنائهم السائرين على خطّهم في الإستقامة والإيمان... إنّهم يطلبون الدعم من عزّته وقدرته، أمّا الوعد الإلهي الذي أشارت إليه الآية فهو نفس الوعد الذي ورد مراراً على لسان الأنبياء لعامة الناس.
أمّا تقسيم المؤمنين إلى مجموعتين، فهو في الواقع يكشف عن حقيقة أنّ هناك مجموعة تأتي بالدرجة الأولى، وهي تحاول أن تتبع الأوامر الإلهية بشكل كامل ؛ أمّا المجموعة الأُخرى فهي ليست بدرجة المجموعة الأولى ولا في مقامها، وإنّما بسبب انتسابها إلى المجموعة الأولى ومحاولتها النسبية في اتباعها سيشملها دعاء الملائكة .بعد ذلك تذكر الآية الفقرة الرّابعة من دعاء الملائكة للمؤمنين:(وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته).حيث لا بد أولا من تطهير النفس من السيئات حتى تنال الكمالات ثم ينتهي الدعاء بهذه الجملة ذات المعنى الكبير:(وذلك هوالفوز العظيم).هل هناك فوز أعظم من أن تغفر ذنوب الإنسان، ويبتعد عنه العذاب لتشمله الرحمة الإلهية ويدخل الجنّة الخالدة، وثم يلتحق به أقرباؤه الذين يودّهم؟
التدبر في هاتين الايتين يرشدنا إلى دروس نشير إليها :
- إن الدعاء بحق الاخرين عمل ملائكي ولطالما أوصى به الأنبياء والاؤلياء (ع) فبدل أن لعن وسب من ابتلي بالانحراف والضلال الأفضل أن ندعو له بالهداية و المغفرة.
- إن دعاء أولياء الله يستجاب بحق الإنسان فيما إذا كان صالحا
- لن يدخل الجنة من يحمل في قلبه وزرا .
- إن السعادة والفلاح رهن بخلاص الإنسان من آفات الدنيا وعقبات الآخرة.
إلى هنا وتنتهي حلقة اليوم من برنامج نهج الحياة.