بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصل الله على محمد و اله الطيبين الطاهرين. مستمعينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بفضل الله يتجدد لقاءنا مع حضراتكم ضمن حلقة اخرى من برنامج نهج الحياة اذ نواصل التدبر في الايات 25 حتى 28 من سورة لقمان المباركة .
خير بدء هو لخير الكلام فلننصت إلى تلاوة الايتين 25 و26 من سورة لقمان:
وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّـهُ ۚ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٢٥﴾
لِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴿٢٦﴾
تشير هذه الايات إلى أبسط الأمور العقلية والتي تقبلها عقول جميع بني البشر ولا سيما المشركون فتقول الاية : وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّـهُ . أجل يقولون الله هو خالق السماوات والارض لان البشر مجبول على الفطرة الالهية التي تعترف بالله وحده ولا يستثنى منهم المشركون فهم لا يعتقدون ان الأصنام خلقت السموات والارض بل أنهم يعتبرونها شركاء الله تعالى في تدبير أمور الخلق أجمع .
ثم تواصل الاية لتشير إلى نتيجة هذا الإقرار من قبل المشركين : قُلِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ . فاذا كان الله تعالى هو خالق الخلق جميعا فهو مالكهم و المهيمن عليهم و لايستحق العبادة سواه من الاصنام والاشخاص او الاشياء .
يجد المتأمل بعضا من الدروس في هذه الاية المباركة منها :
- إن المشركين يقرون ضمنيا بخالقية الله تعالى إلا أن سبب انحرافهم هو عبادة الاصنام و طلب الشفاعة عند الله منهم .
- إن معرفة الله أمر فطري فالكل يقر به خالقا للسموات والارض .
- تنشأ الكثير من الانحرافات بسبب الجهل والجهلالة . و قد كانت نهضة الانبياء والاولياء من أجل تحرير الانسان من الجهل والجهالة والانحرافات والضلال .
والان ايها الاكرام نستمع الى تلاوة الايه 27 من سورة لقمان:
وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّـهِ ۗ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿٢٧﴾
تشير الاية المباركة الى حقيقة وعظمة الكون والكائنات وهي تؤكد أن علم البشر عن الكون وما فيه محدود جدا فلو تحولت مياه البحار إلى الحبر و الأشجار الى اقلام فلم يتمكن البشر من عدِّ مخلوقات الله تعالى .
تتداول مفردة " الكلمات " في العرف الانساني وسيلة للتعبير عما في الضمير ولكن المقصود من الكلمات في المنطق الالهي هو أنواع الكائنات و المخلوقات الالهية التي لا تعد ولا تحصى . فالعلماء والباحثون يستخدمون الأقلام والاوراق من أجل الكشف عن معلوماتهم ولكن علم الله تعالى لا حد له ولا حصر فلو تحولت مياه البحار حبرا والاشجار اقلاما فلن تستطيع أن تستعرض وتعد نعم الله ومخلوقاته .
نستلهم من الاية المباركة ..
- إن الكون هو اكبر بكثير مما يتصوره الانسان فلا ينبغي ان ننظر الى الكون من منظار ضيق لان الانسان سوف يصاب بالنظرة السطحية وغير الدقيقة .
- إن جميع الكائنات فطريا تشهد بالله خالقا ومالكا .. فحذاري أن ينخدع الانسان بالالهة التي صنعتها ايدي البشرية فالعلم والحكمة لله تعالى .
والان ايها الاكارم اليكم تلاوة الاية 28 من سورة لقمان :
مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ۗ إِنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴿٢٨﴾
بعد أن اشارت الاية الماضية الى عظمة الخلق والمخلوقات الالهية تتطرق في هذه الاية الى القدرة اللامتناهية لله الواحد الاحد فتقول الاية : «مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ وبناء عليه فان جميع الاقلام والبحار لا يمكنها ان تكتب كلمات الله أي لا يمكن كتابة ما خلق الله ولا كتابة الالطاف الالهية والسنن الربانية على مر التاريخ .
يؤكد هذا المقطع من الاية المباركة " مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ " ان لا تأثير للزمان او المكان او الكم والعدد او الظهور والخفاء على سعة العلم والقدرة عند الله فالله قادر على خلق جميع البشر الذين ماتوا طوال التاريخ البشري على صعيد القيامة . إن الكثرة والزيادة يستصعبهما الانسان بسبب القيود المفروضة عليه بحكم الطبيعة المادية والدنيوية ولكن الله تعالى لا يحده حد ولا تقيده قيود وكل شئ عنده سهل بسيط .
ثم تكشف الاية عن حقيقة اخرى هي ان الله تعالى ليس بقادر على خلق البشر من جديد فحسب بل انه سميع بصير فيعلم بجميع شؤون الفرد لانه سميع و له البصيرة الثاقبة في حساب الناس كافرهم ومحسنهم .
ترشدنا الاية الى حقائق منها :
- ان التشكيك في المعاد يرجع اما الى جهل الانسان بكيفية عودة الناس الى الحياة بعد الممات لا سيما و أن الأموات يصبحون رميما أو الجهل بالذي يمكن ان يحيط باعمال الناس جميعا و نواياهم .
- ان خلق الناس جميعا من منظار القدرة الالهية هو كخلق انسان واحد ولا تاثير للزمان و لا المكان في ذلك .
- ان الله تعالى يسمع بكل ما ينطق به الانسان و هو عليم بذات الصدور و يرى عن كثب . فبعد الايمان بالله الذي يحمل هذه الصفات جدير بالانسان ان يستحي من الله ولا يخضع للوساوس الشيطانية والاهواء النفسانية .
سنواصل الحديث باذن الله في الحلقة المقبلة من برنامج نهج الحياة والذي استمعتم اليه من اذاعة ... . حتى ذلك الحين نستودعكم الباري تعالى و السلام عليكم.