بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصل الله على محمد و اله الطيبين الطاهرين . مستمعينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
لقاءنا مع حضراتكم بفضل الله ضمن حلقة اخرى من برنامج نهج الحياة حيث انتهى في الحلقة الماضية تجوالنا في ربوع سورة الروم المباركة لنبدء في هذه الحلقة بالتعرف على الايات الاولى حتى السادسة من سورة لقمان بتوفيق من الله عزوجل .
ايها الكرام نزلت سورة لقمان المباركة في مكة المكرمة و لها 34 آية . تشير ايات هذه السورة المباركة الى بعض من الايات الالهية كخلق السموات والارض وما بث الله تعالى فيهما من الدواب بانواعها المختلفة ثم تتحدث عن جوانب من المواعظ الحكيمة التي وعظ بها لقمان لابنه . وعليه فقد سميت السورة باسم لقمان و لم يرد هذا الاسم في القران الكريم سوى مرتين أحداهما في هذه السورة و هي السورة السادسة من السور السبع التي يطلق عليها " اللامات" و التي تبدء ب" الم".
بداية ننصت الى تلاوة الايات الاولى حتى الثالثة من سورة لقمان:
بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
الم ﴿١﴾ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ﴿٢﴾ هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ ﴿٣﴾
مستمعينا الكرام .. في القران الكريم تبدء 29 سورة من سوره المباركة بما يسمى بالحروف المقطعة و منها سورة لقمان .وقد اشارت الايات التي تلي الحروف المقطعة في اربع وعشرين سورة منها الى عظمة القران الكريم . ولعل ذلك من اجل ان يبين للناس أن القران مؤلف من هذه الحروف التي بين ايديكم و لكن ايا منكم لا يتمكن من الاتيان بمثله .
ان الله تعالى يصف كتابه بانه حكيم ولا مجال فيه للنقص والعيب . لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ .
ان القران يوصف في بعض المواضع بانه سبب لهداية المتقين كقوله تعالى " هدى للمتقين " و في موضع اخر يصفه بانه " هدى وبشرى للمؤمنين " و في هذه السورة يصف القران بانه " هدى و رحمة للمحسنين " فالقران الكريم يحتوى على المراحل الثلاث من التكامل الانساني ، فهو سبب للهداية والبشرى والرحمة . اذن فالقران الكريم الذي انزله الله تعالى لهداية الناس جميعا لا يهتدي بهداه سوى من اصغى اليه بمسامع قلبه المطهر من الذنوب والاثام .
هذه الايات ترشدنا الى تعاليم منها :
- ان الارشاد والهداية لابد من ان يقوما على اساس الحكمة و لذا فان القران الكريم يصف نفسه بالحكيم كما جاء في قوله تعالى : " تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ"
- ان الارشاد وهداية الناس لابد من أن يقترنا بالرحمة والمحبة فالقران هداية للناس وفي الوقت نفسه يمثل رحمة لهم والرحمة هي نتيجة الحب والمحبة .
- يتحلى المحسنون بخصال حسنة عدة منها استعدادهم لقبول الحق ، فمن كان مستعدا لقبول القران الكريم يكون القران له هداية و رحمة .
مستمعينا الكرام اما الان اليكم الايتين 4 و5 من سورة لقمان ننصت خاشعين :
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴿٤﴾
أُولَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿٥﴾
تستعرض هذه الايات بعضا من صفات المحسنين الذين اشار اليهم في الاية السابقة بحيث تقسم صفاتهم الى قسمي العملي او العقدي . اما القسم العملي يشمل الصلاة والزكاة واما القسم العقدي فيشمل الايمان باليوم الاخر .
الاكارم اساسا فان العبادة والانقطاع الى الله تعالى امر لا ينفصل عن الاهتمام بشؤون الخلق فهما امران ملازمان لا ينفصلان .فالدين الاسلامي دين جامع وشامل و التكاليف التي يحتويها هي ايضا جامعة وذات ابعاد عدة . فالتكليف البدني مثل الصلاة والصوم والتكليف المالي مثل الزكاة والخمس و التكليف القلبي مثل الايمان بالمعاد . لذلك فان المؤمن هو الذي يجمع بين الالتزام بكل هذه التكاليف معا ولا يترك واجبا دون اخر .
و في المقابل هناك من يهتم بقضاء حوائج الناس ويسهر على حل مشاكلهم الا انه لا يهتم بالتعاليم والاوامر الدينية و منها الصلاة وهذا مرفوض ايضا .
لذلك فان الاية تصف المحسنين بثلاث صفات، فتقول: (الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون) فإنّ إرتباط هؤلاء بالخالق عن طريق الصلاة، وبخلق الله عن طريق الزكاة، ويقينهم بمحكمة القيامة باعث قوي على الإبتعاد عن الذنب والمعصية، ودافع لأداء الواجبات.
هاتان الايتان ترشداننا الى تعاليم منها :
- ان الثقافة الاسلامية لا تفصل بين الصلاة والزكاة فان اقامة الصلاة وايتاء الزكاة لا ينفصلان و هما جزء لا يتجز من سيرة الاسان المؤمن .
- ان الانسان المحسن وبحسب وصف الاية هو الذي يهتم بالقضايا الاقتصادية للامة وبالقضايا الروحية والعبادية لها بشكل متزامن لا ان يضحي لاحدهما على حساب الاخر .
- ان الارتباط بالله تعالى من خلال اقامة الصلاة والارتباط بالناس من خلال اداء الزكاة فعلان ممدوحان متى ما اقترنا بالإيمان بالمعاد .
و الان اليكم الاية السادسة من سورة لقمان ..
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴿٦﴾
الكلام هنا عن جماعة يستخدمون طاقاتهم من أجل بثّ اللاهدفية وإضلال المجتمع، ويشترون شقاء وبؤس دنياهم وآخرتهم.
إنّ هذه الآية نزلت في "النضر بن الحارث"، فقد كان تاجراً يسافر إلى بلاد فارس ، وكان يحدّث قريشاً بقصص الفرس وأحاديثهم، وكان يقول: إذا كان محمّد يحدّثكم بقصص عاد وثمود فإنّي اُحدّثكم بقصص رستم وإسفنديار وأخبار كسرى وسلاطين العجم، فكانوا يجتمعون حوله ويتركون إستماع القرآن. و قال بعض اخر أن هذا المقطع من الايات نزل في رجل اشترى جارية مغنية و كانت تغني له ليل نهار فتشغله عن ذكر الله و عن الاستماع الى قول الله تعالى . و يكون كلام الإستهزاء والسخرية الذي يطلق بهدف محو الحقّ وتضعيف أُسس ودعائم الإيمان، كالذي ينقلونه عن أبي جهل أنّه كان يقف على قريش ويقول: أتريدون أن اُطعمكم من الزقّوم الذي يتهدّدنا به محمّد؟ ثمّ يبعث فيحضرون الزبد والتمر، فكان يقول: هذا هو الزقّوم! وبهذا الاُسلوب كان يستهزيء بآيات الله.
تتوعد الاية المباركة اولئك الذين انحروا عن الصواب و اصبحوا مانعين لطريق الله لاستهزائهم بالايات أُولَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ.
ترشدنا اية المباركة الى:
- كل ما يتعارض مع الحكمة فهو لهو يمنع الانسان من الوصول الى الكمال حتى وان كان كلاما معسولا ومزخرفا
- يحرم في شريعة الاسلام من الغناء ما يتناسب مع مجالس اهل الفسوق والفجور مما يوجب اثارة الشهوات فقد ورد عن الامام الباقر ان الغناء من الذنوب التي اوعد الله عليها بالنار ثم تلا قوله تعالى : وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ.
- ان اعداء الاسلام يحاولون استخدام كافة الامكانات المتاحة امامهم لاضلال الشباب وتحذير هذا الجيل القادم ومن ذلك الترويج للغناء المبتذل وبمختلف الوسائل سعيا منهم للوصول الى اهدافهم الاستعمارية .
ايها الكرام نكتفي بهذا المقدار من الحديث عن تعاليم الاية السادسة من سورة لقمان عسى ان نوفق في الحلقة القادمة من برنامج نهج الحياة ان نواصل استعراض الايات التالية من هذه السورة المباركة . حتى الملتقى نستودعكم الله و السلام عليكم ورحمة الله .