بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الذي علا فقهر، وملك فقدر، وعفا فغفر، وعلم وستر، وهزم ونصر، وخلق ونشر.
و صل الله علي خير الخلق اجمعين محمد واله الطيبين الطاهرين . السلام عليكم متابعي برنامج نهج الحياة و رحمة الله وبركاته اهلا بكم الى هذه الحلقة الجديدة من البرنامج حيث نواصل التأمل في الايات الختامية من سورة الروم بدء من الاية 55 الى الاية 60 منها فرافقونا مشكورين .
دعونا في البداية نصغ الى تلاوة الايات 55 الى 57 من سورة الروم:
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ ﴿٥٥﴾
وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّـهِ إِلَىٰ يَوْمِ الْبَعْثِ ۖ فَهَـٰذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَـٰكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴿٥٦﴾
فَيَوْمَئِذٍ لَّا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ﴿٥٧﴾
مستعمينا الكرام إن تكذيب يوم القيامة ومبدء المعاد هو أحد أبرز صفات المجرمين والكفار. و على غرار هذه الايات التي استمعنا إليها آنفا فإن هؤلاء ليسوا مستعدين بأن يرضخوا لحقيقة مبدء المعاد وهم يشهدون يوم الحساب و قد بعثوا فيه من جديد . ولذلك فهم يعتبرون يوم القيامة استمرارا لعالم الدنيا عندما يقولون : " ما لبثوا غير ساعة " أي انهم مازالوا في الدنيا ولكنهم كانوا قد دخلوا في سبات ونوم عميقين لساعة والان قد استيقضوا . و في المقابل فإن الذين امنوا و لمسوا الحقيقة بكل وجودهم و بلغوا درجة اليقين يقولون لمنكري القيامة : " لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّـهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَـذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَـكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ "
و عندما يرى المجرمون والذين ظلموا أنفسهم قد حضروا في مشهد القيامة يتسارعون إلى الاعتذار ويعربون عن بالغ ندمهم . ولكن فات أوان التوبة والاستغفار في يوم القيامة لقوله تعالى : «فَيَوْمَئِذٍ لَّا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ»
من خلال التامل في هذه الايات نجد :
- أن الانحراف الفكري يؤدي بالإنسان إلى الانحراف العملي . و أن الانحراف في الفكر والمبدء مقدمة لنشر الجرائم والمعاصي في المجتمعات .
- توجد علاقة متقابلة فيما بين عنصري العلم والإيمان . فالعلم الحقيقي يدعو الإنسان إلى الإيمان والإيمان يدعوا إلى التعلم . و هذا ما يتجلى في وصف الاية للذين امنوا "بالذين اوتوا العلم والايمان .
- إن مصير الإنسان مرهون بما يقدمه من أعمال وسلوكيات . فإن الظلم والإجرام ليس لهما إلا سوء العاقبة سواء في الدنيا او في الاخرة .
- ليست الآخرة مكانا لقبول التوبة والتعبير عن الندم .فالتوبة والاعتذارلا ينفعان إلا في هذه الدنيا .
اما الان ايها الاكارم فلننصت خاشعين الى تلاوة الايتين 58 و 59 من سورة الروم المباركة :
وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ۚ وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ لَّيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ ﴿٥٨﴾
كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٥٩﴾
ان القران كتاب هداية و رشاد وهو يتضمن لكل ما شآنه هدايته الي سبيل الخير من بشارة و انذار ، و من ارشاد وموعظة ، و من الاوامر والنواهي و من التحريض والتحذير و من الادلة والبراهين و من كل ما يمهد للانسان سبل خلاصه من التيه والضلال نحو السعادة والفلاح .
لقد تطرق القران الكريم في مختلف آياته وسوره الى ادلة التوحيد الالهي و نمط الحياة الصحيح و تجنب الرذائل الاخلاقية بمختلف الاشكال والصور .كما يشير الى الطريقة الصحيحة لعبادة الله في الليل والنهار و في مختلف الشهور . إن المبادئ العقيدية و الأسس الفكرية و السلوكية التي يعتقد بها كل انسان موحد تستخرج من اكثر من 6 الاف اية قرانية بصور وقوالب متنوعة . و بالرغم من كل ذلك فان الذي لا يرضخ للحق والحقيقة سيبقى على تكذيبه ورفضه و هو يعتبركل تلك المبادئ باطلا و لا اساس لها من الصحة . و لربما لم يكن على استعداد لسماع الايات القرانية .
تواصل الاية بتبيين سبب هذا الكفر والعناد فتقول : "كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون".
استعمل القران الكريم هذا التعبيرأي الطبع ومعناه ختم الشيء في إشارة إلى ما كان يجري في السابق، وهو جار أيضاً اليوم إذ يختم على الشيء كي لا يتصرف به ويُغلق بإحكام، وقد يضعون عليه القفل ويضربون عليه مادة لزجة مختومة بإشارة معينة بحيث لا يمكن فتح ذلك الشيء إلاّ بكسره، فيفتضح أمره بسرعة.
الأمركناية عن تلك القلوب التي لا ينفذ إليها النصح، والذين فقدوا الوجدان والعقل والعلم، ولا أمل في هدايتهم.أما المذنبون فإن تابوا الى الله واصلحوا ما افسدوه من قبل سيحظون بالعفو والمغفرة والا فتكون قلوبهم مقفلة و لا يدخل اليه نور الوعي والبصيرة .
تعلمنا هذه الآيات
- أن القران انزل لجميع الناس و لذا فهو يستخدم أساليب وقوالب عدة من اجل هداية الناس الى سواء السبيل .
- أن الذين يحومون حول الباطل فهم لا يرضخون لمبدء الحق ليس هذا فحسب بل إنهم يعتبرون الحق باطلا ويعرّفون المؤمنين بأصحاب الباطل . ما يستوجب الحذر من التأثر بثرثراتهم ولغطهم الاعلامي .
- ليست لحالة الإصرار على الكفر و العناد على الباطل عاقبة إلا الحرمان من الهداية الإلهية و لا شك أن الإنسان هو المتضرر والخاسر الأول والأخير.
وأما الان اليكم تلاوة الاية الستين من سورة الروم المباركة :
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ﴿٦٠﴾
هذه هي الآية الأخيرة من سورة الروم المباركة فهي تأمر النّبي(ص) بأمرين مهمين، وتبشره ببشارة كبرى، لتحثه على مواصلة الوقوف والتصدي للمشركين والجهلة والذين يسفهون الاستقامة والصبر.
فاذا كان الأمر كذلك، فعلى النبي بالصبر والإستقامة أمام الحوادث المختلفة من أنواع الأذى و قول الزور والمصاعب، لأنّ الصبر والإستقامة هما مفتاح النصر الأصيل.
وليكون النّبي(ص) أكثر اطمئناناً، فإنّ الآية تضيف (إن وعد الله حق) فقد وعد المؤمنين بالنصر، والإستخلاف في الأرض، وغلبة الإسلام على الكفر، والنور على الظلمة، والعلم على الجهل.
وسوف يُلبس هذا الوعد ثوب العمل!
من خلال التامل في هذه الاية نجد:
- فإن على المؤمنين أن يستقيموا ويثبتوا على طريقهم و أن لا تزعزعهم محالات الأعداء وأن تفك من عزيمتهم .
- أن تأليب الأجواء الذي يقوم به الكفار وأعداء الدين ضد الاسلام والمسلمين يجب أن لا يترك تأثيرا على معنويات المسلمين ولا سيما في اتخاذ قراراتهم بل يجب الاعتماد على الوعد الالهي بنصرة الحق على الباطل وهذا ما يمنح المؤمنين الثقة والاستقرار و الطمأنية .
- من لا يصبرعلى محاولات الاعداء الاستخفاف بالقادة والمسلمين، فسيكون ذليلا في المجتمع .
مع انتهاء سورة الروم في هذه الحلقلة سنواصل البرنامج باذن الله في الحلقة المقبلة بالتطرق الى سورة لقمان المباركة . حتى ذلك الحين نستودعكم الباري تعالى و السلام عليكم .