بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حمد الشاكرين وصل وسلم على النبي الخاتم وآله الأطهرين.
مستمعينا الأفاضل إخوة وأخوات السلام عليكم وأهلاً بكم في هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة.
نستهل الحلقة وهي امتداد لتفسير سورة الروم المباركة، بتفسير الآيتين التاسعة والعاشرة ننصت لهما خاشعين:
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ فَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴿٩﴾
ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَىٰ أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّـهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ﴿١٠﴾
قوله تعالى " أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ" يعني من الأمم السابقة وقد "كانوا أشد منهم قوة" ورغم ذلك هلكوا وبادوا فليعتبروا بهم لكي لا يهلكوا بتكذيبهم للنبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – وقد كانت الأمم السابقة أكثر حضارة وتقدماً من العرب في الزراعة والعمران، ولما ظلموا أنفسهم بكفرهم وتكذيبهم الرسل أخذهم الله بالعذاب والهلاك فينبغي أن يخشى الذين يكذبون محمداً – صلى الله عليه وآله – أن يصبهم ما أصاب الذين كانوا أقوى وأرقى وقد روى المؤرخون أن الصديقة الطاهرة زينب الكبرى – عليها السلام – قد إحتجت على الطاغية يزيد في خطبتها الغراء التي ألقتها في مجلسه لعنه الله بقوله تعالى "ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السؤاى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون" فالصديقة أنذرت الطاغية بأن أسلافه قد جاءتهم رسلهم بالبينات لينقذوهم من الضلالة والغواية، فأمعنوا في الإساءة إليهم تكذيباً وإستهزاءً فكان جزاؤهم سوء العذاب وبئس المصير؛ وهكذا سيكون مصيره هو أيضاً وهذا ما صدقه التأريخ.
في الآيتين دروس عدة منها:
- توكيد القرآن الكريم أهمية السياحة في المناطق الأثرية للوقوف على تاريخ الأمم القديمة والإعتبار بما آلت إليه.
- تطورات التاريخ ومتغيراته لها قواعدها وأصولها الخاصة ما يوجب الإعتبار بقديم الزمن وتوظيف ذلك في حاضر الأيام وقادمها.
- السعادة لا تبنى على ظاهر القدرة والمكنة والإعمار والإنماء، فبنى السعادة الحقة مقوماتها الإيمان بالله وإتباع ما جاء به الرسل.
- مآل التمادي في الخطايا وارتكاب الذنوب سوء العاقبة وتكذيب الحق والإستهزاء به.
والآن نبقى لحظات مع الآيات من الحادية عشرة الى الثالثة عشرة من سورة الروم المباركة:
اللَّـهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿١١﴾
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ ﴿١٢﴾
وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ ﴿١٣﴾
حجة الياء في قوله تعالى "الله يبدء الخلق" الى للغائب.. والخلق هم المخلوقون في المعنى وجاء قوله "ثم يعيده" على لفظ الخلق.. وقوله "إليه يرجعون" على المعنى ولم يرجع على لفظ واحد. ووجه التاء انه صار الكلام من الغائب الى الخطاب "ترجعون" تذكر الآية الأولى بقدرته تعالى على الإعادة فقوله عزوجل "الله يبدء الخلق ثم يعيده" أي يخلقهم إبتداء ثم يعيدهم بعد الموت أحياء كما كانوا "ثم إليه ترجعون" فيجازيكم الله بأعمالكم.
قوله تعالى "ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون" أي يوم القيامة ييأس الكافرون من رحمة الله ونعمه التي يفيضها على المؤمنين.
وقيل: في هذا اليوم يعلم المجرمون أنه لا أمل ولا حيلة لمن أسلف المعصية، وسوّف التوبة فتذلهم مرارة اليأس لإمعانهم في الضلالة وإصرارهم عليها. "ولم يكن لهم من شكرائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين" كانوا لهم شركاء في الدنيا يتبعونهم في الضلال والفساد جهلاً وتقليداً، ويرجون نفعهم وشفاعتهم يوم القيامة حتى إذا برزوا لله جميعاً ورأوا العذاب وأيقنوا أن لا شريك ولا شفيع تبرأ المتبوع من التابع، والقائد من المقود.
وفي الآيات دروس منها:
- مبدأ الكون هو الله وإليه منتهاه، أي وحده المبدأ والمعاد.. الغفلة عن هذا الأمر توجب الندم واليأس لاحقاً.
- الحذر كل الحذر من التأثر بما يفرح المجرمين والمذنبين في الحيوة الدنيا ذلك أن لهم سوء العذاب يوم القيامة.
- يتحول الحب والعلاقات العاطفية الواهية الكاذبة دنيوياً الى البغض والكراهية ويكفر بالشفعاء الوهميين يوم القيامة.
بإنتهاء تفسير هذه الآيات، تنتهي هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة.. ولنا لقاء إن شاء الله.. نستودعكم الله والسلام عليكم.