بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد المصطفى وعلى آله الهداة الى الله...
السلام عليكم مستمعينا الأفاضل ورحمة الله وبركاته...
نرحب بكم في حلقة جديدة من برنامج "نهج الحياة"... ساعين كعادتنا الى عرض تفسير ميسير لآيات أخرى من كلام الله المجيد.
بدءاً نستمع الى تلاوة الآيات: السابعة والثامنة والتاسعة من سورة الشعراء:
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ﴿٧﴾ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً ۖ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴿٨﴾ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴿٩﴾
تكلمنا خلال الحلقة السابقة عن إعراض الكافرين وتكذيبهم واستهزاءهم بالنبي (ص) وكتاب الله... وفي هذه الآيات لون من الإحتجاج عليهم... حيث يمرون على آيات الله البالغة في الأرض ومظاهر قدرته، دون أن تحفز فيهم عوامل الإيمان والتصديق...! وكأنهم يسعون بذلك الى حرمان أسماعهم من أن تداعيها آيات الله الخالدة، كما حرموا أبصارهم من مشاهدة آياته المعجزة...!
فالأرض وما تزخر به من نباتات وأشجار متعددة الأشكال، زاهية الألوان تعد – لو نظر إليها الإنسان بعين الإعتبار – أفضل دليل على وجوه الله تعالى.
كما أن خضوعها لنظام الزوجية العام ووجودها في الطبيعة بشكل ذكر وأنثى هو دليل آخر على إبداع الخالق وحكمته...!
ومن الملفت أن يكشف القرآن الكريم عن شمول قانون الزوجية العام للنبات، قبل أكثر من 1400 عام، في حين بقى العلم غافلاً عن هذه الحقيقة، الا بعد قيام "لينه" عالم النبات المشهور، بإثباتها، أواسط القرن الثامن.
وعلى هذا فالنبات لا يعطي ثماره المكتملة، الا بعد حصول عملية التلاقح...!
وهذا واحد من أوجه الإعجاز العلمي في القرآن الكريم...!
ونستفيد من الآيات القرآنية الآنفة:
- ان مطالعة صفحات الكون وما فيه من إبداع وجمال وتنوع في المخلوقات، وتكاثر هذه المخلوقات، يعد واحداً من أفضل الطرق لمعرفة الله تعالى.
- انسحاب قانون الزوجية العام على النبات يعتبر أحد مظاهر القدرة الإلهية من الطبيعة.
- إذا ما كانت أكثرية الناس كافرة، فهذا لا يعني أحقية الكفر... كما لا تعني كثرة المدخنين صحة هذه العادة السيئة.
- في ذات الوقت الذي يتصف فيه الله تعالى بالدرجة التي لا تضاهى من القوة والقدرة والقهر... فهو تعالى رحيم بعباده رؤوف كريم.
أما الآن فدعونا نعود الى القرآن الكريم لنستمع الى تلاوة الآيتين العاشرة والحادية عشرة من سورة الشعراء:
وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿١٠﴾ قَوْمَ فِرْعَوْنَ ۚ أَلَا يَتَّقُونَ ﴿١١﴾
في هذه السورة الشريفة، نجد سرداً مجملاً لحياة سبعة من الأنبياء، أولهم موسى (ع)... وقد تطرقت سور أخرى لحياة موسى (ع) لكنها اختلفت في طريقه العرض والزاوية التي سلطت من خلالها الضوء على هذا المقطع أو ذاك من حياته (ع)...
فنلاحظ أن الآيات الأولى من سورة الشعراء تضمنت إشارة الى التعامل السيء للمشركين مع النبي الأكرم (ص)، مؤكدة أنهم سيصرون على تكذيبهم وعنادهم...
وكأسلوب من المواساة والعزاء النفسي للنبي (ص) تبدأ الآيات بسرد قصة موسى، وعلى مدى 57 آية... لافتة الى التجربة المرة التي عاشها (ع) مع القوم الكافرين... ورغم أنهم لم يكن يكفون عن أعمالهم القبيحة، ولا يرتدعون عن ممارسة الظلم... الا ان موسى (ع) واصل دعوتهم الى سبيل الهداية، ولم تثبط تلك الأعمال من عزمه.
ونتعلم من هذه الآيات الكريمة:
- ان التعرف على تأريخ الماضين، ومعاصريهم من أنبياء الله، يفتح آفاقاً رحبة امام المسلمين، ويجعلهم يعون الأساليب المختلفة التي يتبعها المعادون، وطرق مواجهاتها.
- عندما يضع المصلحون، إصلاح المجتمع على رأس اهتماماتهم؛ فعليهم ان يدخلوا ميدان العمل بقوة، ولا يكتفوا بإطلاق الشعارات وهم جلوس..!
- ان مواجهة الظلم والفساد، تقتضي استهداف رؤوسه... لذلك كانت مناهضة الطواغيت، على رأس اولويات جهاد الأنبياء (ع).
مرة ثانية نعود الى القرآن الكريم، لنستمع الى تلاوة الآيتين الثانية عشرة والثالثة عشرة من سورة الشعراء:
قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ ﴿١٢﴾ وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ ﴿١٣﴾
بعد أن كلف الله تعالى، موسى (ع) بمهمة إبلاغ فرعون واتباعه، تقدم موسى ليعرض بين يدي ربه جملة من المشاكل والعقبات التي رأى انها تعرقل أداء مهمته..!
- ضعف احتمال استعداد فرعون واتباعه، لتقبل كلام موسى، وبالتالي سيعدونه كاذباً...!
- ان طبيعة المهمة لتبدوا صعبة على موسى، خصوصاً وان لسانه لم يكن لبقاً بدرجة كافية، الأمر الذي سيجر عليه السخرية أو حتى الإحتقار...!
لذلك، فقد اقترح موسى تكليف أخيه هارون أيضاً، ليكون عوناً له على أداء مهمته..!
ومع أن الله عزوجل كان يعلم من قبل بكل ما قاله موسى (ع)... لكنه مع ذلك أمره بتنفيذ هذا العمل الكبير، بعد أن استجاب لطلبه باشراك هارون معه...
وتظهر هذه الآيات الكريمة بوضوح: ان العلماء والمبلغين لرسالات الله، والذين يتحملون مسؤولية إرشاد الناس وهدايتهم، إذا ما مرضوا أو تقدموا بالعمر، ولم يستطيعوا لوحدهم النهوض بمسؤولياتهم؛ فذلك لا يعني، انهم سيعفون منها...! ...بل ينبغي لهم الإستعانة بالطاقات الشابة والفاعلة، وتوظيف اقلامها والسنتها في ميدان الدفاع عن العقيدة وتبليغها.
ونستفيد من هذه الآيات الشريفة، ان:
- تكذيب الناس، لا يسقط المسؤولية، وينبغي لعلماء الدين، ان يواصلوا دورهم في دعوة الناس الى الله.
- إمكانات وقدرات الناس – ومنهم الأنبياء – تبقى محدودة إزاء حجم المشاكل والعقبات التي تعترض طريق الدعوة؛ ولذا وجب عليهم إستمداد الله تعالى.
- المهمات والأعمال الكبيرة بحاجة الى تعاضد القوى وحشد الطاقات، وبغير ذلك، فإنها لن تبلغ درجة النجاح المطلوبة.
الى هنا، يكون وقت البرنامج قد انتهى، فحتى نلتقيكم في حلقة أخرى نستودعكم في حفظ الله ورعايته.