بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حمد الشاكرين ثم الصلاة والسلام على الصادق الأمين سيد الانبياء والمرسلين ابي القاسم محمد وعلى اهل بيته وعترته الميامين. سلام من الله عليكم مستمعينا الكرام واهلاً بكم في حلقة جديدة من برنامج نهج الحياة حيث لا نزال في رحاب سورة الفرقان المباركة وقد مضى تفسير 69 آية منها واليوم نقدم لحضراتكم تفسير آيات اخرى من هذه السورة الشريفة ونبدا بالآيتين السبعين والحادية والسبعين:

إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَـٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّـهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿٧٠﴾

وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّـهِ مَتَابًا ﴿٧١﴾

مرّ علينا في الحلقة السابقة ان الشرك والقتل والزنا معاصي كبيرة وان من يرتكبها له عذاب مهين في الدنيا والآخرة لكن باب رحمة الله واسعة وعلى الدوام مفتوحة فمن يرتكب من هذه الكبائر شيئاً ثم يتوب فان الله يغفر له ذنبه وهو العفو الغفور الرحمن الرحيم.

لكن لابد للتوبة ان تكون حقيقية فبعد ان يشعر الانسان بالذم على ما فعل يتوب الى ربه توبة نصوحاً تبدو آثارها في وجوده حيث تحل عفيف الصفات محل رذيلها. اجل ان التائب عن الذنب هو الذي يخلص في عمله لله ويسعى الى ان لا يعود الى الذنب ابداً ويطهر نفسه من آثام الرذيلة والانحطاط [اعاذنا الله واياكم من شرور النفس وسيئات العمل ولاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم].

والدروس المستفادة من النص المفسر هي:

• ليس في الاسلام طريق مسدود وأن باب التوبة مفتوح فيه وأن الله يحب التوابين.
• لابد ان تكون التوبة تحولاً اساسياً في النفس والتوبة الواقعية هي المقرونة بالعمل الصالح.
•  التوبة تغير مسير اعمال الانسان. انه قبلها كان يأتي بالسيئات ومن بعدها يجتهد في عمل الحسنات وان الله يجزي على الحسنة بعشر امثالها.

ويقول تباركت اسماؤه في الآية الثانية والسبعين من سورة الفرقان المباركة:

وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴿٧٢﴾

في هذه الآية اشارة الى صفة اخرى لدى عباد الله الصالحين الا وهي احترام حقوق الناس وعدم تضييعها وعدم قول الزور وعدم الادلاء بشهادة زور تجعل الحق باطلا والباطل حقا.

ان مجالسة اهل الباطل تفضي الى ارتكاب الباطل والمؤمن يحترز عن ذلك. انه لا يريد ان تلوث نفسه بالاثم والعدوان.

نعم حضرات المستمعين يدلنا القرآن الكريم على صفة اخرى عند المؤمنين وهي انهم عن اللغو معرضون وانهم ان مروا باللغو مروا كراماً واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما.

لكن المؤمن لا يعيش العزلة عن الآخرين ابداً وهو بسلوكه القويم لا يتسبب في اذى الآخرين فالناس يأنسون به وبكلامه وسلوكه.

والدروس المستفادة هنا هي ثلاثة:

• ليس الاتيان بالاثم حرام بوحده بل الحضور في مجالس الاثم حرام ايضاً والمؤمن لايفعل ذلك.
• ان ترك مجالس المنكر هي من مصاديق النهي عن المنكر. وهو فريضة عبادية.
• ان حياة عباد الله الصالحين حياة ذات هدف فالمؤمن لا يقضي عمره في الباطل والعاطل من الامور.

ويقول ربنا جل جلاله في الآية الثالثة والسبعين من سورة الفرقان الشريفة:               

وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا ﴿٧٣﴾

من اهم صفات عباد الله الصالحين البصيرة والرأفة والمؤمنون ينظرون بعين البصيرة لابعين الباصرة الى آيات الله وآلائه وهكذا تصقل شخصية المؤمن صقلاً صحيحاً انها شخصية ميزتها القوة. المؤمن مثل الطود الاشم لا تهزه الرياح وعلى العكس من المؤمنين يكون الكافرون الذين صمتت آذانهم وعميت اعينهم عن الحق انهم ينعقون مع كل ناعق فشخصياتهم مهزوزة متذبذبة دائما. واما الدروس المستفادة من النص المفسر فيها:

•  ان التعقل والتذكر اساس عمل المؤمن وان الله اراد من عباده ان يتوجهوا الى الدين القويم ببصيرة فالعبرة بالبصيرة لا الباصرة والله هو الهادي الى سواء السبيل.
•  ان عبادة عباد الله الصالحين مبنية على المعرفة الحقة. ولنجعل مسك الختام هذه الحلقة قول امير المؤمنين وسيد الموحدين علي ابن ابي طالب صلوات الله وسلامه عليه.

[الهي ماعبدتك خوفاً من نارك ولاطمعاً في جنتك بل عبدتك لأني وجدتك اهلاً للعبادة]. والسلام خير ختام.