بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين من الأولين والآخرين النبي الذي سمي في السماء بأحمد وفي الأرضين أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الكرام الأبرار.
السلام عليكم حضرات المستمعين، ها نحن وإياكم مرة أخرى نجتمع في ظلال القرآن الكريم، نعيش أجواء آياته المباركات ومعانيها الخالصات النقيات، وكنا قد وصلنا إلى الآية السابعة والتسعين من سورة النحل المباركة، فلنصغ إليها أولاً:
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿٩٧﴾
إن هذه الآية المباركة رغم قصرها هي من الآيات الأساسية في القرآن الكريم، إنها تتحدث عن وضع المؤمنين في الدارين الدنيا والآخرة. وهي توضح لنا أن القيمة الأساسية هي الإيمان ولا فرق عند الله تعالى بين المؤمن والمؤمنة.
إن إرسال جميع الرسل والأنبياء من الرجال دون النساء ناتج من خصوصية العمل الرسالي التي تستوجب مخالطة الناس وهذا الأمر لا يناسب المرأة. لكن الوصول الى الدرجات العالية من الإيمان لايختص بالرجل دون المرأة.
وفي تاريخ الرسالات السماوية ما يؤشر على هذا المعنى، فالسيدة مريم العذراء والدة السيد المسيح عليه السلام كانت على درجة من القرب من الله، حيث أنزل الله تعالى لها مائدة ورزقاً كما جاء في القرآن الكريم؛ فكلي واشربي وقري عيناً، وهذا هو غير المائدة السماوية التي نزلت على السيد المسيح (ع).
كما أن من الفخر لسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (س) أن كان كفؤها امير المؤمنين (ع)، ولولاه لما كان لها كفؤ من الأولين والآخرين، كما هو منطوق الأحاديث الشريفة، ولابد للإيمان من حسن الأعمال للوصول الى مرتبة الكمال. والأعمال الحسنة هي التي فيها نية الخير، حتى وإن كانت صغيرة، وهكذا فإن المؤمن العامل للخير يحيى حياة طيبة في الدنيا وله في الآخرة طوبى وحسن مآب، إن الله تعالى يضاعف الحسنات ويجازي على السيئات، وإن مضاعفة الحسنات هو من كرم الله ومنه ولطفه وفضله تبارك ربنا ذوالجلال والإكرام.
ويستفاد من هذه الآية:
- إن المعيار عند الله هو الإيمان والعمل الصالح، وليس للعمر أو الجنس أو العنصر أو الموقع الإجتماعي أو المستوى التعليمي أي اعتبار.
- ليس لغير المؤمن الحياة الطيبة الحقيقية في هذه الدنيا.
والآن نستمع الى تلاوة الآية الثامنة والتسعين من سورة النحل المباركة:
فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴿٩٨﴾
المخاطب في هذه الآية الكريمة هو الرسول الأكرم (ص) ولأهمية الموضوع جاء الخطاب الرباني متوجهاً إليه (ص)، وإلا فالخطاب موجه أيضاً الى عموم المؤمنين.
وروي أن النبي الأكرم (ص) كان يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم قبل قراءة القرآن سواء في حال الصلاة أو في غيرها، ومن هنا أفتى الفقهاء بجواز بل ربما استحباب الإستعاذة قبل البسملة في قراءة الصلاة.
نعم.. ينبغي الإستعاذة قبل قراءة القرآن، ذلك أن هوى النفس قد يحول دون أن يزود الإنسان من خير الزاد هذا، أي القرآن الكريم بتأثير من الشيطان ووساوسه.
والمستفاد من هذه الآية هو:
- لاينبغي أن نغفل عن خطر الشيطان الرجيم، حتى في أقدس الأعمال، أي تلاوة القرآن.
- ليس لنا أمام خطر الشيطان إلا اللجوء الى الله تعالى وهو خير ملجأ وهو خير ناصر ومعين.
والآن نستمع الى تلاوة الآيتين التاسعة والتسعين والمئة من سورة النحل المباركة:
إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿٩٩﴾
إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ ﴿١٠٠﴾
إن الواضح من هذا النص أن الشيطان اللعين ليس له سبيل الى قلوب المؤمنين، والذين يتوكلون على رب العالمين، نعم.. إن سلطان ابليس هو على الكفار والمشركين، إذ هؤلاء هم أولياء الشيطان لعنهم الله جميعاَ. وقد يكون الإنسان على دين الإسلام، لكنه يسمح للشيطان أن يسدد سهامه الى قلبه، وبعبارة أخرى إن مثل هؤلاء قد تولوا الشيطان واتبعوه.
والذي نستفيده من هذا النص هو:
- ليس للشيطان أي سبيل على الإنسان إلا إذا مكن الإنسان الشيطان من نفسه وتكون النتيجة الغواية والهلاك ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
- لا خطر من جانب الشيطان على الإنسان المؤمن، ذلك أن الإيمان هو الدرع الواقية من مخاطر ابليس اللعين وشره.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
هكذا حضرات المستمعين الأكارم أتينا على تفسير 100 آية من آيات سورة النحل، لنا وإياكم بإذن الله موعد آخر مع كتابه الكريم، حتى الملتقى نستودعكم الله والسلام خير ختام.