بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلائق أجمعين ابي القاسم محمد وآله الهادين المهديين، السلام على إخوة الإيمان في كل مكان.
هذا لقاء قرآني جديد يجمعنا واياكم، حيث نتابع تفسيرا موجزا لآيات أخرى من سورة يوسف عليه السلام.
ونبدأ من الآية السابعة بعد المئة التي نستمع الى تلاوتها أولا.
أَفَأَمِنُوا أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللَّـهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿١٠٧﴾
في الحلقة الماضية من هذا البرنامج ذكرنا أن الله تبارك وتعالى طيب خاطر النبي الأكرم (ص) لكيلا يحزن إذا ما لم يؤمن به وبرسالته الغراء فريق من الناس.
فالناس على أصناف ثلاثة من حيث الإيمان، فريق آمن بالله ورسله والكتب المنزلة من عند الله ايمانا خالصا لا شائبة فيه. وفريق دخل الإيمان قلبه، لكن خالطه بعض من الشرك وإن كان خفيا والفريق الثالث هم الكفار الذين لايؤمنون والى الشرك والإلحاد الطريق يسلكون، والفريق الأول هم القليل من الناس.
وتأتي هذه الآية لتبين أن من واجب النبي (ص) إنذار الناس الذين لايؤمنون بالله ورسوله وتحذيرهم من عاقبة ذلك، حيث أن العذاب يطالهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب مهين، حيث النار مأواهم وبئس المأوى وبئس المصير.
وما نتعلمه من هذه الآية هو:
- إن من لا ايمان له لا أمان له من عذاب الله وإن كان في الدنيا في أحسن الظروف والأحوال.
- إن تذكر المعاد ويوم القيامة هو أفضل عامل لتربية الإنسان والإبتعاد عن المعاصي والآثام.
ويقول تعالى في الآية الثامنة بعد المئة من سورة يوسف:
قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّـهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿١٠٨﴾
في هذه الآية المباركة يبين الله تبارك وتعالى أسلوب دعوة الناس الى الحق، حيث لابد من الإيمان أن يكون على أساس العلم والبصيرة وبعبارة أخرى لابد من معرفة الله تعالى ومن بعد ذلك الايمان به. كما أنه لابد من معرفة الرسول والايمان به وبرسالته التي هي من وحي السماء ولابد من معرفة القرآن الكريم فهو كلام الوحي الإلهي ومن ثم الإيمان به.
واتبع الرسول الأكرم، محمد بن عبد الله، هذا النهج القويم في الدعوة الى الله تعالى والى دين الحق وآمن به الناس، ومنهم من ضحى بكل ما عنده في سبيل الإسلام العظيم.
لكن ليس هناك أدنى ريب في أن الذي يزلزل قوائم الإيمان في وجود النفس، الشرك في العقيدة والعمل، وعلى أي حال فإن على دعاة الدين أن يقووا إيمانهم أولا، ثم يدعون الآخرين اليه.
أما ما يستفاد من هذه الآية فهو:
- على الدعاة الى الدين الحق رفع مستويات المعرفة والبصيرة لدى الناس.
- وعلى الداعية أن ينأى عن أي لون من ألوان الشرك ويحذر الناس من الإقتراب من الشرك ظلم عظيم وإن الله تعالى يغفر الذنوب جميعا إلا الشرك فإنه لايغفره.
والى الآية التاسعة بعد المئة من سورة يوسف:
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ ۗ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۗ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَوْا ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴿١٠٩﴾
من الإشكالات التي كان البعض يطرحها على الرسالة الإسلامية في عهد النبي الأكرم (ص) هو أن الله تعالى إذا ما أراد بعث نبي أو رسول فبإمكانه أن يفعل ذلك ويرسل من الملائكة رسولا لا من الناس وتجيب هذه الآية المباركة على هذا الإشكال والإدعاء الذي لا يقوم على أساس أبدا، ذلك أن التاريخ البشري حافل وزاخر بالرسالات السماوية التي سبقت الإسلام، فالباري تباركت أسماؤه بعث في الناس 124 الف نبي ورسول، أولهم سيدنا آدم عليه السلام وآخرهم سيدنا ونبينا محمد بن عبد الله (ص) وكل هؤلاء الأنبياء والرسل من الناس وليس فيهم أحد من الملائكة.
ثم يخاطب النص الشريف الرسول الأكرم (ص) من أن مثل هذا الإدعاء الواهي مرده العناد والإنكار ولاريب أبدا في أن مثل هؤلاء الناس ماكانوا ليؤمنون حتى لو بعث الله لهم من الملائكة رسلا.
ثم تأتي الآية المباركة لبيان عاقبة المتقين والمعاندين، الصالحون والمتقون وإن عاشوا المشقة في الحياة الدنيا لكن لهم في الآخرة دار السلام.
أما المعاندون فلهم في الدنيا الذل والهوان ولهم في الآخرة سوء العذاب.
وما أجدر الإنسان أن ينظر في حياة المتقين وحياة المعاندين ومن بعد ذلك يسلك الى التقوى والصلاح سبيلا وانه لخير سبيل.
والآن الى الدروس والعبر المستقاة من هذا النص وفي الإمكان إجمالها في النقاط الثلاث الآتية وهي:
- أن الرسل والانبياء عليهم السلام كانوا من الناس ومع الناس عاشوا وعايشوا أوضاعهم. غاية الأمر أن لهم العصمة فكانوا عليهم الصلاة والسلام منزحين عن صغائر الذنوب فضلا عن كبائرها.
- أن السير في الأرض وسبر أغوار تاريخ الماضين فيه الهداية للناس وتربيتهم. وأخذ الدروس والعبر من الأمم السالفة.
- إن التدبر والتعقل هو أحد طرق التعرف على رسالات الأنبياء عليهم السلام، كما أن الدعوة الى التدبير هو أحد أهداف الرسالات السماوية السامية.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يمن على الجميع بالهداية والرشاد وأن يرزقنا جناته ونعيمه إنه الكريم المنان.
المستمعين الأفاضل في الحلقة القادمة من هذا البرنامج سنأتي على إنهاء تفسير سورة يوسف المباركة بإذن الله. نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.