بسم الله والحمد لله الذي هدانا لمعرفة ومودة وموالاة أوليائه الصادقين وأنوار هدايته للعالمين حبيبه الصادق الأمين وآله الطيبين الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
سلام من الله عليكم أيها الإخوة والأخوات ورحمة الله وبركات...
مما لا شك فيه أن للملحمة الحسينية الخالدة بعد مأساوي فريد جعلها من أشد مآسي التأريخ الإنساني تأثيراً في النفوس، ولكن هذا البعد ليس هو الأهم فيها وليس هو العامل الأهم الذي جعلها تستقطب المشاعر الإنسانية لأتباع مختلف الإتجاهات والأديان.
فثمة بعد أساسي ومحوري في هذه الملحمة مثل سر خلودها وتأثيرها الفريد في القلوب، إنه البعد الإلهي في شخصية سيد الشهداء – صلوات الله عليه – وصحبه الكرام وسائر أعلام ملحمته الخالدة رجالاً ونساءً شهداء وسبايا صلوات الله عليهم أجمعين.
هذا البعد تمثل في إحدى صور بالفداء العظيم الذي تميزت به هذه الملحمة الخالدة، وهو فداء لا يصدر إلا ممن ملأ الإيمان اليقيني بقيم السماء قلبه فصار مناراً لليقين يبدد الشكوك ويزيحها عن القلوب.
وهذا هو بيت القصيدة في الشطر الثاني والأخير من قصيدة (آمنت بالحسين) لشاعر العرب الأكبر في القرن العشرين المرحوم محمد مهدي الجواهري، وهو ما اخترناه لكم في هذا اللقاء فتابعونا مشكورين.
قال الأديب الجواهري في تتمة قصيدته الحسينية الغراء مخاطباً سيد الشهداء عليه السلام:
تَمَثَّلْتُ يومَكَ في خاطـرِي
ورَدَّدْتُ صوتَكَ في مَسْمَعِـي
وَمَحَّصْتُ أمْرَكَ لم أرْتَهِـبْ
بِنَقْلِ "الرُّوَاةِ" ولم أُخْـدَعِ
وقُلْتُ: لعـلَّ دَوِيَّ السنين
بأصـداءِ حادثِـكَ المُفْجِـعِ
وَمَا رَتَّلَ المُخْلِصُونَ الدُّعَاةُ
من "مُرْسِلِينَ" ومنْ "سُجَّـعِ"
ومِنْ "ناثراتٍ" عليكَ المساءَ
والصُّبْحَ بالشَّعْـرِ والأدْمُـعِ
لعلَّ السياسةَ فيما جَنَـتْ
على لاصِـقٍ بِكَ أو مُدَّعِـي
وتشريدَهَا كُلَّ مَنْ يَدَّلِي
بِحَبْلٍ لأهْلِيـكَ أو مَقْطَـعِ
لعلَّ لِذاكَ و"كَوْنِ" الشَّجِيّ
وَلُوعَاً بكُـلِّ شَـجٍ مُوْلـعِ
يداً في اصطباغِ حديثِ الحُسَيْن
بلونٍ أُرِيـدَ لَـهُ مُمْتِـعِ
وكانتْ وَلَمّا تَزَلْ بَـــرْزَةً
يدُ الواثِـقِ المُلْجَأ الألمعـي
صَناعَاً متى ما تُرِدْ خُطَّةً
وكيفَ ومهما تُـرِدْ تَصْنَـعِ
وبهذه الأبيات سعى شاعر العرب الأكبر المرحوم محمد مهدي الجواهري إلى تصوير حقيقة أن الغنى العاطفي الفريد في الملحمة الحسينية لا ينحصر في إطار بعدها المأساوي بل ينبثق من أسمى قيم الفداء الذي لا يمكن أن يصدر إلا ممن إمتلأ بقيم السماء، قال رحمه الله:
ولما أَزَحْتُ طِلاءَ القُرُونِ
وسِتْرَ الخِدَاعِ عَنِ المخْـدَعِ
أريدُ "الحقيقةَ" في ذاتِهَـا
بغيرِ الطبيعـةِ لم تُطْبَـعِ
وجَدْتُكَ في صورةٍ لـم أُرَعْ
بِأَعْظَـمَ منهـا ولا أرْوَعِ
وماذا! أأرْوَعُ مِنْ أنْ يَكُون
لَحْمُكَ وَقْفَاً على المِبْضَـعِ
وأنْ تَتَّقِي - دونَ ما تَرْتَئـِي-
ضميرَكَ بالأُسَّـلِ الشُّـرَّعِ
وأن تُطْعِمَ الموتَ خيرَ البنينَ
مِنَ "الأَكْهَلِيـنَ" إلى الرُّضَّـعِ
وخيرَ بني "الأمِّ" مِن هاشِمٍ
وخيرَ بني " الأب " مِنْ تُبَّـعِ
وخيرَ الصِّحابِ بخيرِ الصُّدُورِ
كَانُـوا وِقَـاءَكُ ، كالأذْرُعِ
وتعتمل صور الفداء الخالص التي تجسدها الأبيات المتقدمة للأديب الجواهري المبدع فيجعلها مقدمة يصورها بها الإنتقالة القوية من الشك إلى الإيمان ببركة التأمل في أبعاد هذا الفداء الذي لا يمكن أن يصدر إلا من صدر أبي ملؤه الإخلاص لوحي السماء... قال رحمه الله في المقاطع الختامي من مديحته الحسينية الغراء:
وقَدَّسْتُ ذِكراكَ لم انتحِـلْ
ثِيَـابَ التُّقَـاةِ ولم أَدَّعِ
تَقَحَّمْتَ صَدْرِي ورَيْبُ الشُّكُوكِ
يِضِـجُّ بِجُدْرَانِـهِ الأَرْبَـعِ
وَرَانَ سَحَابٌ صَفِيقُ الحِجَاب
عَلَيَّ مِنَ القَلَـقِ المُفْـزِعِ
وَهَبَّتْ رِياحٌ من الطَّيِّبَـاتِ
و"الطَّيِّبِيـنَ" ولم يُقْشَـعِ
إذا ما تَزَحْزَحَ عَنْ مَوْضِعٍ
تَأَبَّى وعـادَ إلى مَوْضِـعِ
وجَازَ بِيَ الشَّـكُّ فيما مَعَ
" الجدودِ " إلى الشَّكِّ فيما معي
إلى أن أَقَمْتُ عَلَيْهِ الدَّلِيـلَ
مِنْ "مبدأٍ" بِدَمٍ مُشْبَـعِ
فأسْلَمَ طَوْعَا ً إليكَ القِيَـادَ
وَأَعْطَاكَ إذْعَانَـةَ المُهْطِـعِ
فَنَوَّرْتَ ما اظْلَمَّ مِنْ فِكْرَتِي
وقَوَّمْتَ ما اعْوَجَّ من أضْلُعِـي
وآمَنْتُ إيمانَ مَنْ لا يَـرَى
سِوَى العَقْل في الشَّكِّ مِنْ مَرْجَعِ
بأنَّ (الإباءَ) ووحيَ السَّمَاءِ
وفَيْضَ النُّبُوَّةِ ، مِـنْ مَنْبَـعِ
تَجَمَّعُ في (جوهرٍ) خالِصٍ
تَنَزَّهَ عن (عَرَضِ) المَطْمَـعِ
كانت هذه مستمعينا الأفاضل تتمة قصيدة (آمنت بالحسين) لشاعر العرب الأكبر المرحوم محمد مهدي الجواهري قرأنا لكم في حلقة اليوم من برنامجكم (مدائح الأنوار) نشكر لكم طيب الإصغاء ولكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران خالص الدعوات.. دمتم بكل خير وفي أمان الله.