وأنشأ هذا الشعب بلداً كبيراً، مستلهماً من تراث الحضارات التليدة كالبابلية والأوراتية والآشورية والعيلامية. تعود ذروة ازدهار هذه الحضارة الى العهد الإخميني والذي شهد فيه العالم القديم حكومات وامبراطوريات عديدة وعلى رقعة واسعة.
وأدّت هذه الوسعة والتنوع المدهش لمختلف الأقوام والكيانات التي كانت تعيش تحت راية الامبراطورية الاخمينية، أدّت من جهة الى ظهور طرق وأساليب جديدة في بناء العلاقات والبيروقراطية والمعاملات الاقتصادية، وجعلت رؤية المرء تتغير تجاه الثقافة والحضارة والمعتقدات الدينية والقومية من جهة أخرى.
هذا وقام الايرانيون لأول مرة وبأمر من الملك الاخميني كوروش، بتدوين ميثاق لحقوق الانسان، وذلك قبل 2500 سنة مضت؛ مما يشير الى كيفية تمكنهم بالتحلي بالصبر والحلم والتسامح والمرونة حيال كل رؤية واعتقاد وثقافة، وان خير شاهد على ذلك، هو وجود قوانين مدنية وقضائية في ذلك العصر بايران. وكانت هذه القوانين وضمن إتباعها العملي للسياسات والاستراتيجيات العامة للحكم الاخميني، كانت تحترم الحريات الفردية والقومية والدينية لجميع الشعوب والأقوام الخاضعة للامبراطورية الاخمينية.
وحسب الدراسات والأبحاث التي أجريت بهذا الشأن، فان القانون الروماني، والذي يعد أساساً شاملاً للحضارة الغربية الجديدة، قد اقتبس من القوانين الايرانية السائدة في العهد الاخميني.
انتهى العصر القديم وبدأت فترة جديدة في تاريخ ايران تجلت ببزوغ فجر الاسلام في هذه البلاد، وامتزجت التعاليم الاسلامية بالثقافة الايرانية وعلى ضوئها قامت حضارة جديدة وقوية. وفي هذا العصر الحديث، قدم الايرانيون وبناءً على التعاليم الاسلامية السمحاء كنوزاً قيمة من العلم والمعرفة والتقنية والفن للعالم، مما ترك أصداءً واسعة في الغرب أدّت في نهاية المطاف الى انطلاق بوادر «النهضة العلمية» وبدء «عصر الحكمة».
ان العهد الاسلامي في ايران يعد من أبرز فصول التاريخ في العالم برمته، اذ نرى كواكب من الخطباء والشعراء والفلاسفة والحكماء والعلماء الكبار الذين أنتجوا كماً هائلاً من العلم والمعرفة في هذا العصر. كما تتألق عظمة وأبهة هذا العهد في العمارة الاسلامية- الايرانية، حيث تتجسد الفنون الاسلامية الايرانية في بناء القباب والمنارات البارزة فناً وعلوّا مستلهمة، من الخطوط والأشكال والصور الاسليمية الدقيقة في تزيين المساجد ونحو ذلك بالقاشاني والطابوق والطوب والتجصيص.
هذا وتعتبر اللغة الفارسية من أقدم اللغات الحية في العالم، التي جذورها ضاربة في عمق تاريخ الحضارة البشرية. ووفرت اللغة الفارسية أرضية خصبة لإزدهار بعض من اكبر الحضارات القديمة فضلاً عن أنها شكلت فسيفساءً بتنوع لغاتها، وذلك عقب الغزو الوحشي الأجنبي والغزو الحضاري للامم والشعوب.
ولو تصفحنا التاريخ لرأينا أن كثيراً من الروائع الادبية الخالدة كتبت وألفت بالفارسية ولتبقى من اكثر اللغات العالمية شمولية وامتداداً في الشرق قروناً متتالية. وكانت رقعة انتشار اللغة الفارسية تمتد من قلب اوروبا الى الشرق الأقصى، وان خير شاهد على ذلك، هو النسخ والمخطوطات الأدبية الفارسية الرائعة العديدة التي تركت أثراً لها في قلب اوروبا وصولاً الى الشرق الأقصى.
وكل من يزور ايران، يشاهد بأم عينيه وفي كل جزء من أراضيها مفخرة للايرانيين من المعالم الاثرية والفنون الجميلة وما الى ذلك تحكى عراقة الحضارة فيها. ان الابنية والعمارات الفخمة والفنون الدقيقة والطبيعة والمناظر الخلابة هي معالم أشار اليها المؤرخون والسياح والفنانون وغيرهم في ذكرياتهم وأعمالهم.
أدرجت منظمة «اليونسكو» العالمية 15 معلماً أثرياً ايرانياً في قائمة الآثار العالمية من بين آلاف المعالم الأثرية في ايران، هي كالتالي:
(جغازنبيل) ومجموعة تخت جمشيد (برسبوليس)، وبيستون، وعرش سليمان، وحصن بم التاريخي، وقبة سلطانية، وساحة نقش جهان، وكنس أذربيجان، والمنشآت المائية في شوشتر، وسوق تبريز التاريخي، ومقبرة الشيخ صفي الدين الاردبيلي، والحدائق الايرانية، والمسجد الجامع باصفهان وبرج قبة قابوس.