بسم الله و له عظيم الحمد و الثناء إذ من علينا بمعرفة و موالاة مطالع نوره المبين و شموس هدايته للعالمين محمد و آله الطيبين الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
السلام عليكم إخوتنا المستمعين ، نصت الأحاديث الشريفة أن الجزع عند المصاب مكروه إلا لذكر مصاب الحسين وآل الحسين صلوات الله وتحياته عليه وعليهم ، فالجزع هنا محمود مشكور من الله عزوجل ، كما ورد في عدة من الأحاديث الشريفة التي جمع شطرا منها الفقيه العارف آية الله الشيخ جعفر التستري رضوان الله عليه في كتابه القيم (الخصائص الحسينية). و لعل من أسرار ذلك أن الجزع على هذا المصاب ينور القلب بصور الثبات و الإستقامة على الدين الحق و تجسيد قيمه في أصعب الأوضاع و أشد المحن و أفجع المظلوميات كما تجلى في الملحمة العاشورائية الخالدة . لقد سطر الحسين وصحبه وعيالاته الشجاعة الإيمانية بأزكى و أسمى صورها التي عرفها التاريخ الإنساني.
و قد اعتنى الشعر الحسيني بهذا الجانب من الملحمة العاشوراية كما نلمح ذلك في الأبيات التالية اخترناها من قصيدة حسينية للأديب الفاضل المرحوم محمد رضا الخزاعي المتوفى في جوار أمير المؤمنين – عليه السلام – سنة ۱۳۳۱ للهجرة النبوية.
قال الأديب الخزاعي رضوان الله عليه:
إن لم أمت حزنا فلي مدمع
يحيى الثرى لو لم أكن مكمدا
يهمي ربابا في ربى زينب
يروي شعاب الطف أو يجمدا
كم صبية حامت بها لا تري
إلا مقامات الظما موردا
يا قلب هلا ذبت في لوعة
قد كابدوها تقرح الأكبدا
فاجزع لما لاقت بنو أحمد
بالطف إن الصبر لن يحمدا
يوم ابن هند رام أن تنثني
للموت أو تلقى له مقودا
فاستأثرت للعز في نخوة
كم أوقدت نار الوغى والندا
قامت لدفع الضيم في موقف
كادت به الأبطال أن تقعدا
يمشون في ظل القنا للوغي
تيها متى طير الفنا غردا
من كل غطريف له نجدة
يدعو لمن يلقاه لا منجدا
حتى قضوا نهب القنا والظبا
ما بين كهل أو فتى أمردا
أفدي جسوما بالظبا وزعت
تحكي نجوما في الثرى ركدا
أفديهم صرعى و أشلاؤهم
للبيض والسمر غدت مسجدا
فالسمر فيها تنحني ركعا
والبيض تهوي فوقها سجدا
وانصاع فرد الدين من بعدهم
يسطو على جمع العدى مفردا
يستقبل الأقران في مرهف
ماض بغير الهام لن يغمدا
أضحت رجال الحرب من بعده
تروي حديثا في الطلى مسندا
ما كل ما ضب و لا سيفه
ينبو و لو كان اللقا سرمدا
لا يرهب الأبطال في موكب
كلا و لم يعبأ بصرف الردي
ما بارح الهيجاء حتى قضى
فيها نقي الثوب غمر الردا
و لو تراه حاملا طفله
رأيت بدرا يحمل الفرقدا
مخضبا من فيض أوداجه
ألبسه سهم الردى مجسدا
تحسب أن السهم في نحره
طوق يحلي جيده عسجدا
و مذ رأته أمه أنشأت
تدعو بصوت يصدع الجلمدا
تقول عبد الله ما ذنبه
منفطما آب بسهم الردى
لم يمنحوه الورد بل صيروا
فيض وريديه له موردا
فطر من فرط الصدى قلبه
يا ليته فطر قلب الصدي
أفديه من مرتضع ظاميا
بمهجتي لو أنه يفتدي
كانت هذه مستمعينا الأكارم بعض أبيات منتخبة من قصيدة حسينية للأديب النجفي الفاضل المرحوم محمد رضا الخزاعي رضوان الله عليه قرأناها لكم في لقاء اليوم من برنامجكم (مدائح الأنوار) الذي يأتيكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران
شكرا لكم و في أمان الله.