بسم الله وله المجد والحمد والثناء والكبرياء، والصلاة والسلام علي أحب الخلق الي الله محمد وآله الطاهرين.
نلاحظ في الاحاديث الشريفة المتحدثة عن سيرة مولانا الإمام الحسين (عليه السلام) أن المجالس الرثائية له قد سبقت ولادته ورافقتها وتلتها.
فقد روت المصادر المعتبرة عند الفريقين كثيرا من الروايات الصحيحة المصرحة ببكاء رسول الله (صلي الله عليه وآله) عند ولادة سبطه الحسين(عليه السلام) وبعيدة في عدة مواطن عندما أخبره جبرئيل عن الله عزوجل بالشهادة الحسينية وكذلك الحال مع الصديقة الزهراء والوصي المرتضي (عليهما السلام) وهذه الحالة الفريدة هي نتيجة لشدة المظلومية الحسينية، وقد ظهرت في نتاجات الشعر الحسيني منها القصيدة الغراء والمؤثرة التي أنشأها في مولد الحسين (عليه السلام)، العالم الاديب آية الله الشيخ جواد البلاغي الربعي صاحب كتاب الهدي الي دين المصطفي والرحلة المدرسية وغيرها والمتوفي منتصف القرن الهجري الرابع عشر ونقرن هذه القصيدة بمقطوعة رثائية لشاعر القرن الهجري الثالث عبد السلام بن رغبان الحمصي الملقب بديك الجن (رحمة الله عليه).
يبدأ المرحوم الشيخ جواد البلاغي قصيدته بمخاطبة شهر شعبان الذي إحتضن يوم المولد الحسيني، فيقول (رضوان الله عليه):
شعبان كم نعمت عين الهدي فيه
لو لا المحرم يأتي في دواهيه
وأشرق الدين من أنوار ثالثه
لو لا تغشاه عاشور بداجيه
وارتاح بالسبط قلب المصطفي فرحاً
لو لم يرعه بذكر الطف ناعيه
رآه خير وليد يستجار به
وخير مستشهد في الدين يحميه
قرت به عين خير الرسل ثم بكت
فهل نهنيه فيه أم نعزيه
إن تبتهج فاطم في يوم مولده
فليلة الطف أمست من بواكيه
أو ينتعش قلبها من نور طلعته
فقد اديل بقاني الدمع جاريه
فقلبها لم تطل فيه مسرته
حتي تنازع تبريح الجوي فيه
بشري أبا حسن في يوم مولده
ويوم أرعب قلب الموت ماضيه
ويوم دارت علي حرب دوائره
لو لا القضاء وما أوحاه داعيه
ويوم أضرم جو الطف نار وغي
لو لم يخر صريعاً في محانيه
ثم يتوجه الأديب البلاغي في خطابه مادحاً سيد الشهداء وراثياً له في الوقت نفسه، قال:
يا شمس أوج العلي ما خلت عن كثب
تمسي وأنت عفير الجسم ثاويه
فيا لجسم علي صدر النبي ربي
توزعته الموضي من أعاديه
ويا لرأس جلال الله توجه
به بنوء من الميّاد عاليه
وصدر قدس حوي أسرار بارئه
يكون للرجس شمر من مراقيه
ومنحر كان للهادي مقبله
أضحي يقبله شمر بماضيه
يا ثائراً للهدي والدين منتصراً
أمست امية نالت ثارها فيه
إني وشيخك ساقي الحوض حيدرة
تقضي وأنت لهيف القلب ظاميه
ويا أماماً له الدين الحنيف لجا لوذا
فقمت فدتك النفس تفديه
اعظم بيومك هذا في مسرته
ويوم عاشور فيما نالكم فيه
يا من به تفخر السبع العلي وله
امامة الحق من إحدي معاليه
أعظم بمثواك في وادي الطفوف علا
يا حبذا ذلك المثوي وواديه
له حنيني ومنه لوعتي وإلي
مغناه شوقي وأعلاق الهوي فيه
كانت هذه مديحة لسيد الشهداء الحسين (عليه السلام) من انشاء الشيخ جواد البلاغي من القرن الهجري الرابع عشر ونعود بكم الي الادب الحسيني في القرن الهجري الثالث ومع الشاعر المبدع عبد السلام بن رغبان الحمصي الشامي المشهور بلقب ديك الجن، فنختار من شعره الرقيق في رثاء سيد الشهداء (سلام الله عليه) أبيات يصور فيها شد تفجعه للمصاب الحسيني، قال (رحمه الله):
أصبحت ملقي في الفراش سقيما
أجد النسيم من السقام سموما
ماء من العبرات حرٌي أرضه
لو كان من مطر لكان هزيما
وبلابل لو أنهن مآكل
لم تخطئ الغسلين والزقوماً
وكري يروعني سري لو أنه
ظل لكان الحر واليحموما
مرٌت بقلبي ذكريات بني الهدي
فنسيت منها الروح والتهويما
ونظرت سبط محمد في كربلا
فرداً يعاني حزنه المكظوما
تنحو أضالعه سيوف أمية
فتراهم الصمصوم فالصمصوما
فالجسم أضحي في الصعيد موزعاً
والرأس أمسي في الصعاد كريماً
وبهذه الابيات الرثائية المؤثرة لشاعر القرن الهجري الثالث عبد السلام بن رغبان الحمصي الملقب بديك الجن.