خبراء البرنامج: الشيخ جعفر عساف الباحث الإسلامي من لبنان والدكتورة زينب عيسى الباحثة الإجتماعية من لبنان
أعزائي المستمعين نرحب بكم من طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران ونقدم لكم برنامج من الواقع حيث سنتاول في حلقة اليوم موضوعاً مهماً دائماً ما كانت إنعكاساته وتداعياته سلبية ومؤثرة في حياة الناس، إنه موضوع الإهمال وعدم المسؤولية فماذا سيكون لو صادفت هذا الإهمال وعدم المسؤولية وانت في مستشفى او عيادة طبيب؟ وماذا ستتوقع للعواقب التي ستصيبك او تصيب أحد أفراد أسرتك لو كان أحدكما مريضاً؟ حول هذا الموضوع سنكون وكما عوّدناكم في كل حلقة من حلقات البرنامج على موعد مع ضيفين من ضيوفنا الأعزاء وهما الشيخ جعفر عسّاف الباحث الإسلامي من لبنان والدكتورة زينب عيسى الباحثة الإجتماعية من لبنان وذلك لتسليط الضوء والإستفادة اكثر. اذن لنستمع اولاً الى قصة ضياء ثم نعود لنُكمل وإياكم حلقة اليوم فكونوا معنا.
أحبتي في حلقة اليوم ستكون شخصية اليوم في قصتنا هي الضحية ليس كما كان في حلقات البرنامج السابقة عندما كان الشخص هو المخطأ وهو المُقصّر بسبب سوء تصرفاته وماينعكس سلباً عليه وعلى الآخرين دون إستثناء ولكي لانُطيل عليكم اعزائي تعالوا معنا لنتابع ماذا جرى لضياء.
إستيقظ ضياء ذات يوم على صراخ إبنه الذي لم يتجاوز الأربع سنوات ولما حاول أن يُخفف عن إبنه ويُشغله بأشيء تُلهيه عن الصراخ فشل في ذلك لأنه لم يكن يعرف السبب الحقيقي، إستيقظت الأم ايضاً ولما نهضت أمسكت بإبنها وإحتضنته فيما محاولة لتخفيف عنه لكنها هي الأخرى قد فشلت فطلبت من زوجها ضياء أن يجلب له شيئاً يأكله فرفض الطفل أن يأكل ثم جلب له بعض اللُعب لكن الطفل كان مستمراً بالصراخ والبكاء ولم يأبه لتلك اللُعب وهنا طلبت الأم من ضياء أن يتصل بالإسعاف لأن لإبنهما يعاني من مرض باتت آلامه تعتصر بطنه بشدة وفعلاً إتصل ضياء بالإسعاف على الفور ثم ذهب لتغيير ملابسه بسرعة أما الأم فظلت منشغلة مع إبنها وهي تحاول تهدئته وإسكاته قدر الإمكان. ربع ساعة بل نصف ساعة مضت وسيارة الإسعاف لم تأتي فأضطر ضياء وبسبب حالة إبنه الصعبة وغير المريحة أن يستأجر سيارة تكسي ويذهب وزوجته بإبنهما الى المستشفى ولما وصل كانت صالة الإنتظار تعج بالمرضى فكان عليه أن يصبر حتى يحين دوره ليدخل الى غرفة الطبيب. مرت أكثر من نصف ساعة وصراخ الطفل كان قد ملأ المكان وفي هذه الأثناء أشارت امرأة عجوز الى زوجة ضياء وقالت لها: يمكن لك أن تأخذي دوري وتدخلي على الطبيب فطفلك كما يبدو يعاني من آلام شديدة وهو غير قادر على تحملها. شكرت زوجة ضياء المرأة وفعلاً بعد أقل من عشر دقائق دخل الزوجان برفقة إبنهما الى غرفة الطبيب.
كان المنظر مثيراً للإهتمام فالطفل يبكي ويصرخ بشدة والم واقفة الى جانب الأب الذي كان يحمل الطفل بإنتظار أن يُكمل الطبيب مكالمته الهاتفية التي جاءته لحظة دخول الثلاثة عليه، راح ضياء ينظر الى زوجته وزوجته تنظر اليه فما كان منها إلا أن غمزت لزوجها ان يطلب من الطبيب ليُسرع في معاينة الطفل المسكين فصبرها قد نفد وقلبها راح يتفطّر لكل صرخة يطلقها إبنها، وهنا قال ضياء بكل أدب للطبيب: عفواّ دكتور فإبني منذ الصباح ولحد الآن لن يكف عن البكاء والصراخ ولاأعرف ماهي علته وأمه كما تشاهدها تذرف الدموع لأجله. إعتذر الطبيب من الشخص الذي كان يكلمه ثم إلتفت الى ضياء وقال له بعنجهية: هل انت الطبيب أم أنا؟ ثم ألم تشاهدني أتكلم في الهاتف أم تريدني أن أقطع الإتصال بناءاً على رغبتك؟
شعر ضياء بالحرج الشديد أمام زوجته وهنا حاول أن يشرح سبب قلقه على إبنه، فرد عليه الطبيب مرة أخرى وقال: أوَ تظنني لاأعرف سبب بكاء طفلك؟ إنه يبكي بسبب تقصير أحدكما إما انت وإما زوجتك، حتماً معدته قد أصابها برد شديد او ربما أكل شيئاً فاسداً او هناك شيء آخر، سوف أشخصّه حال إنتهائي من مكالمتي الهاتفية.
تطاير الغضب كالشرر من عيني ضياء بعد الذي سمعه من الطبيب فهو أي الطبيب حتماً لايعي حجم ما يُعانيه ضياء وزوجته ولو كان يعي ذلك قليلاً لقطع إتصاله الهاتفي وقفز من مكانه لمعاينة الطفل ولكن شيئاً من هذا القبيل لم يحصل بتاتاً. كرر ضياء طلبه من الطبيب ولكن بلهجة إختلفت عما كانت عليه في المرة الأولى فما كان من الطبيب إلا أن أكمل إتصاله بسرعة وتوجه نحو الطفل ليوم بفحصه لذلك هدأت ثورة ضياء قليلاً أما الأم فكانت لاتزال غير مرتاحة وغير مطمئنة حتى رفع الطبيب السمّاعة عن أذنه وقال بكل هدوء: لاشيء إنه أمر بسيط، لاتقلقا لقد أصابه بعض البرد في معدته وهذا امر طبيعي أن يبكي او يصرخ. سوف أعطيه علاجاً ليستعيد عافيته. شكر الأبويان الطبيب وخرجا مباشرة ليتوجها بعدها الى الصيدلية لشراء الأدوية.
في البيت أسرعت الأم حال وصولها الى إعداد بعض السوائل الحارة وإعطاءها للطفل بناءاً على نصيحة الطبيب وإرشاداته وبعد أن حاولت أن تُطعم إبنها رفض الطفل مرة أخرى تناول الطعام ثم حاولت إعطاءه العلاج الذي وصفه الطبيب ولكن ايضاً لم يتناوله بل كان الصراخ والبكاء ملازمين له دون إنقطاع. في هذه الأثناء طرق احد الباب، ذهب ضياء وفتح الباب فإذا بوالدة زوجته قد جاءت لزيارتهما فكان لزيارتها فعل خير أراد الله أن يبعثه الى الزوجين لإنقاذ إبنهما مما أصابه فقد إنتبهت الجدة الى صراخ حفيدها ولما إقتربت منه ووضعت يدها على خاصرته ثم سألت في الحال بعض الأسئلة من إبنتها عرفت بعدها ما أصاب الطفل المسكين فقالت إبنكما مصاب بإلتهاب الزائدة الدودية، أسرعا به الآن الى مستشفى الطوارئ لإجراء العملية الجراحية له، إندهش الأب مما سمعه كما إندهشت الأم وقالت: أمتاكدة من ذلك ياأمي؟
قالت امها: أتشكي بقدراتي ياأبنتي وانا الذي أفنيت عمري في معالجة الأطفال، إذهبي بإبنك وإتكلي على الله قبل فوات الأوان فإبنك في خطر!
أعزائي المستمعين بعد أن إستمعنا الى قصة ضياء وتعرفتم على الإهمال وعدم الشعور بالمسؤولية الذي إمتاز به الطبيب كما تميّزت به قبله سيارة الإسعاف، توجهما الى ضيفي البرنامج سماحة الشيخ جعفر عسّاف الباحث الإسلامي من لبنان لسؤاله عمّا اوصى به الشرع الإسلامي من ضرورة رعاية المرضى وعدم التماهل او التكاسل في معالجتهم. فلنستمع معاً
عساف: بسم الله الرحمن الرحيم
بعد الإستماع الى ما أوردتموه في هذه القصة التي إتخذت منها امرين أما الأخ ضياء وزوجته وأبنهما أصحاب المشكلة في تقصير الإسعاف اولاً في ان المُسعف او سيارة الإسعاف التي تأخرت لنقل إبنهما الى المستشفى وثانياً تأخر الطبيب او إهمال الطبيب في العلاج حتى أنه كما ذكرتم أن الطبيب لم يكم تشخيصه دقيقاً حتى إضطروا الى نقله الى البيت ثم إجراء عملية له وإدخاله المستشفى. نعم هنا اتوجه الى سيارة الإسعاف والى المُسعف والى الطبيب لأقول أن هناك قانوناً أخلاقياً وعملياً وايضاً سنتحدث عن أهمية علاج المرضى من الناحية الشرعية؛ اولاً هناك قانوناً أخلاقياً وعملياً يُنظم مهمنة الطبيب والمُسعف وهذا أمر مهم جداً يتناسب مع الشرع لأن المُسعف والطبيب الذي يجب عليه حفظ حياة الإنسان. مع الأسف اخي الكريم في بلادنا قليلاً ما نهتم بحياة الإنسان حتى نجد ان الكثير من الأطباء والمُسعفين كما ذكرتم مثلاً يجري مكالمة هاتفية وقد يكون في بعض الأحيان نتيجة الإهمال لايشخّص تشخيصاً دقيقاً للمرض فيؤدي الى الكوارث وحتى أن بعض المُسعفين يعتبرون سيارة الإسعاف وعملهم ملك لهم بينما القانون الطبي والطبيب يعتبر المُسعف يجب عليه أن ينقذ حياة الناس وليس ذلك بمنّة منه. هنا ايضاً أقول إننا مع الأسف نواجه في بلادنا الكثير من الإهمال الطبي وحتى العلاج وللأسف لانجد قانوناً ومراقبة في الكثير من المستشفيات التي تعالج المرضى وهنا ينبغي أن نستغل الفرصة ونقول إننا فعلاً بحاجة في مستشفياتنا وفي مراقبة أطباءنا أننا نحتاج الى الكثير من المراقبة من الأطباء والمستشفيات والدولة والإدارات المعنية التي يجب عليها أن تراقب وتعرف أن هناك الكثير من الإهمال بحق البشر وبحق الناس بحيث أن الأطباء يهملون البشر ويعتبرون انفسهم فوق البشر وفوق العلاج ولايُحاسبون مع الأسف لذلك أتوجه الى الطبيب والى المُسعف لأقول لهم إن التربية عي البُعد الأساسي في حياة الإنسان عندما يكون الإنسان في تربيته مُنشّأ على إحترام الأنسان وإحترام حياة البشر وحياة الناس، ثانياً ألتفت الى أننا نحمل ديناً يعني الإعتقاد الديني عندنا مضافاً الى التربية ينبغي ان يجعلنا نهتم بالمرضى ولانقصّر بحقوقهم ولانقصّر بعلاجهم. نعرف أن القرآن الكريم يعتبر أنه "من قتل نفساً فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعاً"، أليس الطبيب والمُسعف المقصرون في علاج المرضى وفي تشخيص المرض؟ هؤلاء الذين يعتبرهم القرآن الكريم والعياذ بالله قتلوا وأهملوا يعني عندما يُقصر الإنسان في إنقاذ حياة هذا الطفل، عندما يُخطأ الطبيب نتيجة الإهمال والتلهي ببعض الأمور و المكالمات الهاتفية فلا يُشخص بشكل جيد مرض الطفل فأنا أتوجه اليه وأقول إن القرآن الكريم يعتبرهم أنهم قتلوا الناس جميعاً لأن الذي يتجرأ على قتل إنسان وإهمال إنسان. لذلك أنظر الى اهمية الدين وعلو وسمو الأخلاق الديني في الإسلام الذي يحث على إنقاذ حياة الناس وإحترام الإنسانية لذلك حق للمرضى على الأطباء والمُسعفين أن يكونوا معهم بإخلاص كبير وإخلاص عظيم وهذا ما ينفعهم إن شاء الله في الآخرة.
وبعد أن إستمعنا أعزائي الى ضيف الحلقة فضيلة الشيخ جعفر عسّاف الباحث الإسلامي من لبنان نتوجه الآن الى الدكتورة زينب عيسى الباحثة الإجتماعية من لبنان لسؤالها عمّا يُخلفه الإهمال وعدم الشعور بالمسؤولية من نتائج سلبية على الأشخاص؟ وكيف نصف هؤلاء المُقصرين وخصوصاً أنهم من شرائح المجتمع الواجب عليهم أن يتسابقوا بتقديم جل خدمتهم للمجتمع؟ فكونوا معنا
عيسى: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف الخلق والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين
تبعاً للمعطيات التي قدمتموها عن حالة ضياء الذي كان بحاجة ماسة الى العلاج وتأخرت عنه سيارة الإسعاف وبالتالي دور الطبيب الذي لم يقم بواجبه فوراً حين دخول المريض اليه هذا يُعتبر من دواعي الإهمال والخروج عن الإنسانية الكريمة لأن الإنسان اول مايتميّز به إنسانيته ورحمته وحسن تواصله مع الآخرين فكيف بالطبيب الذي أقسم ويُقسم اليمين على اليقام بدوره على أتم مايرام من الواجبات "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" فالطبيب في الحالة التي شرحتموها لم يقم بدوره الواجب وجوباً عليه فتمهّل وتلهى بأشياء خارجة فأودت بحياة الطفل فالطفل لو عُلم بحالته بسرعة لكان يمكن تفادي الحالات السلبية ولكن أن يذهب المريض ويعود الى بيته وبالتالي جدته تنظر اليه او جارته فهذا شيء مشين وخارج عن الإنسانية فعلى كل منا من الأب الى الولد الى الأهل الى الأخت أن يعرف مسؤوليته وأن يعرف أصحاب المهام لأن هناك أشخاص لهم أدوار تفوق أدوار الآخرين وأكبر مثال على ذلك الطبيب الذي عليه أن يعي دوره كاملاً حتى في الحالات التي يكون فيها المريض لايستطيع أن يتقبل ابرة فالطبيب عليه مسؤولية لأن الطبيب هو الذي يقدم المعونة ويُخفف الألم والداء.
في ختام حلقة اليوم نشكر لضيفينا العزيزين حسن المشاركة كما نشكر لكم اعزائنا حسن الإستماع الى برنامج من الواقع الذي قدمناه لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية من ايران، الى اللقاء ودمتم في رعاية الله.