نص الحديث
قال الامام الكاظم عليه السلام: "من شمخ الى السقف برأسه، شجّه".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يجسّد صورة استدلالية مثيرة، انه يرتكن الى (الحكمة)، فينسجها وفق صورة بلاغية لها اثارتها من حيث كونها تتجاوز التشبيه والاستعارة، لتصل الى ذروة الفن، وهو: الرمز المتكثّف والمقترن بالاستدلال كيف ذلك؟ هذا ما نحدثك عنه الآن.
(الرمز) يعني: التعبير باللفظ المحدود عن المعنى اللامحدود، او هو: تعبير (حاضر) عن شيء (غائب) كما لو لاحظنا رمز (النور) و (الظلمات) حيث يرمز (النور) وهو لفظ (حاضر) في هذه الجملة، ولكنه يعبّر عن معنى (غائب) عن الجملة وهو: الايمان، الاسلام، الخير.. الخ، وحيث ترمز (الظلمات)، وهي لفظة حاضرة في هذه الجملة، ولكنها ترمز الى شيء (غائب) هو: الكفر، المعصية، الانحراف الخ، وهكذا بالنسبة الى عبارة (من شمخ الى السقف برأسه، شجّه)، حيث يرمز (شمخ) الى (التكبر) و(الاستعلاء) الخ، وحيث يرمز (الى السقف) الى العلّو او التعالي، وحيث يرمز (السقف) الى ما هو اعلى من الانسان بحيث لا يمكن الوصول اليه بحجم الانسان، وحيث يرمز (شجّه) الى ان الرأس سوف يصطدم بالسقف فيجرح او يشّق او يشّج، اي: سوف يهلك المرء لو تكبّر.
اذن: لاحظنا، كيف ان كلاً من (السقف) و(الرأس) و(شمخ) و(شجّه) تمثل رموزاً فنية لها دلالاتها التي اوضحناها بيد ان الأمر لا يقف عند حدود الرمز بل يتعداه الى الاستدلال كيف ذلك؟.
بلاغة الحديث
من البين، ان الكلام العادي عن المتكبر والمتعالي والخ، يعني: تعبيراً مباشراً كما لو قلت: ان المتكبر خاسر ولكنك حينما تمارس عملية استدلال عليى نزعة التكبر حينئذ تتجه اولاً الى الرموز فتجعل لكل منها دلالته كما شرحنا، ثم تتجه الى الاستدلال بهذه الرموز لتتجلّى الحقيقة بوضوح تام. ولذلك عندما قال النص: من شمخ الى السقف برأسه، شجّه، انما قدم لغة استدلالية، تستدل من خلال عملية الشموخ بالرأس الى ما هو اعلى منه وهو السقف: انما يشّج رأسه؛ ويخسر صحته، وهكذا بالنسبة الى التكبر: انما يهلك بتكبره؟
اذن: امكننا ان نتبين بلاغة الحديث المتقدم، سائلين الله تعالى ان يجعلنا ممن يتواضع، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، انه سميع مجيب.