نص الحديث
قال الامام العسكريّ (عليه السَّلام): "من خرج من هذه الدنيا اعمى، فهو فى الآخرة اعمى، واضلّ سبيلا".
دلالة الحديث
هذا الحديث تناص صرف، اي: لغة ودلالة من حيث انتسابها الى القرآن الكريم، حيث اشار القرآن الى هذه الدلالة بالعبارات ذاتها، ويعنيا ان نلاحظ بلاغة هذا الحديث، وهو ما نبدأ به الآن فماذا نستلهم؟
الإمام (عليه السَّلام) يتحدث عن المنحرفين فى دنياهم حيث يواجهون النوع الآخر، بانحراف اكثر فاعلية، والسؤال هو: ان الآخرة حساب بلا عمل، والدنيا عمل بلا حساب، حينئذ كيف يمكننا ان نتصور المنحرف مثلاً، وهو شارب الخمر، او الزاني، او السارق... الخ، بانحراف اشد فى القيامة؟
اذن: يتعين علينا ان نتبين المقصود من كلمة اعمي... فما هي دلالتها؟
طبيعياً، نستطيع ان نقول بأن الاعمى هو رمز لكل سمة سلبية، سواءا كانت سلوكاً أو فكراً، ولكن بما ان السلوك العملي لا يمكن بأن نفسر الحديث به: نظراً للامثلة التى قدمناها قبل قليل، لذلك فإن الاعمى بصفته رمزاً بما هو معنوي: كالبلادة، وانعدام الذكاء ونحو ذلك، والآن مع ملاحظة هذا الرمز نتقدم الى تحليله بلاغياً، فماذا نستخلص؟
بلاغة الحديث
قلنا: الحديث اساساً هو: تناص صرف، ونضيف الآن الى ذلك كونه يتميز بالاشارة الى ما هو اعلى او ادنى من الطرف الآخر من الصورة، بمعنى التفاوت بين طرفي الصورة وهما: العمى العادي والعمى الأشدّ، وهذا ما يمنح الصورة اهمية فنية كبيرة.
كيف ذلك؟
لنلاحظ: ان الأعمى هو رمز للانحطاط الذهني عند المنحرفين، فاذا كان المنحرف اعمى فى الدنيا في تقرير سلوكه وتحديد مصيره الاخروي، فهو اشد عمى في اليوم الآخر، حيث لا يملك خياراً فى تحديد سلوكه وتقرير مصيره، وبكلمة اشد وضوحاً: ان الاعمى فى الدنيا يقال له: الدنيا عمل ولا عقاب، والآخرة عقاب ولا عمل، وها هو المنحرف دنيوياً حيث ضلّ عن الطريق ولم يعمل لآخرته، فلا بدّ ان يكون فى الآخرة فاقداً للاختيار، وبذلك يكون اشدّ عمى، بصفة ان العمى فى الدنيا قد يجد له طريقا للايمان، بينما الاعمى فى الآخرة فاقد للطريق، كما هو واضح.
اذن: اتضح لنا بجلاء دلالة ما ذكره الامام العسكري (عليه السَّلام)، سائلين الله تعالى ان يجعلنا من اهل البصر، وان يوفقنا الى الطاعة، انه سميع مجيب.