نص الحديث
قال الامام علي (عليه السلام): اشد الذنوب ما إستخف به صاحبه.
دلالة الحديث
الحديث المذكور يعد من التقريرات العبادية الفائقة من حيث دلالاته العبادية والنفسية ونقصد بمصطلح (التقرير) هو ما يستخدمه علماء النفس من دلالة تعني: القانون او المبدأ أو المعيار الذي يرسم معالم الصحة النفسية قبالة المرض النفسي والمهم هو: ملاحظة هذه المقولة للامام علي (عليه السلام)، ونعني بها: ان أشد الذنوب مااستخف به صاحبه، حيث نحدثك اولاً عن دلالته، ثم بلاغته. فما هي دلالته؟
ان الذنب سلوك منهي عنه في الشريعة كما هو واضح ولنفترض ان أحد الذنوب هو: الكذب او الغيبة أو الممارسة الجنسية غير المشروعة وعندما ينهانا الله تعالي عن ممارسة هذه الذنوب: عندئذ فان المهمة العبادية لنا هي: ان نتجنب الذنب، فلانكذب ولا نمارس الغيبة، ولا الجنس غير المشروع، بيد ان الانسان مادام معرضا للحضات الضعف: حينئذ نجده يمارس المعصية، ولكنه سرعان ما يندم علي ذلك ويتوب، حتي انه ورد في الاحاديث ان المؤمن اذا ارتكب ذنباً لا يندم عليه فحسب، بل يظل ماثلاً امامه حتي لو انقضت اعوام عليه حتي انه يحسبه كالجبل يجثم علي صدره وهذا النمط من الاحساس تعبير عن سلامة الشخصية واستقامتها وصحتها ولكن العكس هو: ان البعض من المذنبين لا يكتفون بممارسة الذنب وعدم الندم عليه بل يفرحون به أو يستخفون به بحيث يعتبرونه سلوكاً عادياً، بينما هو في التصور العبادي يعد قمة السلوك المرضي الموبوء. كيف ذلك؟
من البين، ان الاستهانة بالذنب تعني: عدم وجود النبض الانساني لدي الشخص، اي: يعد الشخص في امثلة هذه الحالة ميت الضمير اذا صح التعبير، وذلك، بان عدم احساسه بالمفارقة يعد عدم انسانيته أليس الله تعالي يقول: «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا» بمعني ان الشخص يدرك تماماً ان الفجور - وهو الذنب - منهي عنه، وانه سلوك شرير. فاذا ابتهج بالذنب فهذا يعني انه شخصية شريرة كما هو واضح.
بلاغة الحديث
ان عبارة (اشد الذنوب) تعني: ما يطلق عليه بالتشبيه المتفاوت، اي الناظر الي ما هو اعلي وادني مثل قوله تعالي: «أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً» او «كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا» بالنسبة الي سمات اليهود والكفار.
والمهم هو: ان استخدام (أَشَدُّ) في عبارة الامام (عليه السلام)، تعني: الاكثر ذنباً من ممارسة الذنب نفسه، اي: المقارنة بين الذنب - وهو شديد - وبين الابتهاج به او الاستهانة به وهو اشد، وبذلك يتم التعبير عن الاستهانة بالذنب وفق صياغة بلاغية تحسس المتلقي للحديث بمدي المفارقة التي يصدر الشخص عنها في ممارسته (ليس للذنب فحسب) بل الاستهانة به.