نص الحديث
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الشيخ شابّ في طلب الدنيا.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم، يشير الي ظاهرة الشيخوخة وما يقرن بها من الحاجات التي اعتادت الشخصية علي معايشتها واشباعها، سواءا كان ذلك في ميدان الحاجة او الدافع الي الحياة، او الحاجة او الدافع الجنسي، او الحاجة او الدافع الي الطعام والمال.
ان هذه الحاجات وامثلتها تتوزع بين ما هو مشروع وبين ما هو غير مشروع، ولكن حتي المشروع ينبغي ان تتحفظ الشخصية حياله، فالمهم في الطعام والجنس وطول العمر، ينبغي الّا يجد طريقه الي الشخصية الواعية في مختلف مراحل حياتها، ولكن مرحلة الشيخوخة تظل مختلفة عن غيرها، ولذلك فان المهم في الحاجات المشار اليها، بل حتي الرغبة غير المتجانسة مع طبيعة الشيخوخة التي تعني: استعداد الشخصية لمفارقة الحياة، تسلّم النتائج الي تنتظرها ما بعد الموت، اولئك يتعين علي الشخصية ان تأخذها بنظر الاعتبار اي: ان تضع الموت في حسابها وليس البحث عن الاشباع لحاجاتها التي قد تعجز عن اشباعها امّا للعجز، أو انطفاء الرغبة.
من هنا، فان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما شبّه الشيخوخة بالشباب في طلب الدنيا، انما اراد لفت النظر الي نكتة، يتعين علينا بلاغياً ان نتجه الي معرفتها.
بلاغة الحديث
ان تشبيه الشيخ بالشاب يحمل سخرية دون ادني شك، والسخرية في ميدان البلاغة تظل احد عناصرها المتسمة بالطرافة وبالعمق، حيث ان الشيخ وهو عاجز عن توظيف ما يتطلع اليه في المال او الجنس او سائر المتاع، يظل موضع سخرية الآخرين الذين يلاحظون ركضة وراء المال او الجنس وهو غير قادر علي تحقيق الاشباع لها او غير محتاج الي استمراريتها كالمال المكتفي مثلاً.
ولعل الطرافة الأشد ملاحظة هي: ان البعد النفسي وليس الواقعي هو المتحكم في السلوك لدي الشيخ. فالشاب له قوة نفسية وحيوية علي اشباع حاجاته البيولوجية مثلاً بينما الشيخ لا يملكها، ولكنه مع ذلك يتحرك شاباً حيالها، ولكنه التحرك النفسي وليس الواقعي او المادي او الحيوي.
والامر لذلك بالنسبة مثلاً ان نهمه نحو المال، فالمال الذي يكتنزه أو يسعي الي الحصول عليه، لا يمكنه - من الزاوية الواقعية - ان يفيد منه: لقصر عمره، ولكنه نفسياً يخدع ذاته في الحصول عليه لاشباع ما لا يحتاجه.
اخيراً لا نغفعل عن مبدأ نفسي هو: ان الشيخ بما أنه يحس بقرب اجله حينئذ يحرص علي ما يتعارض مع قصر العمر واقعياً، ويحولّه الي واقع نفسي لا شعورياً، اي: لا يدرك اساساً ان نهمه الي المال وسواه انما هو آلية نفسية وليست ذات واقع مادي بالفعل كما هو واضح.