نص الحديث
قال الامام عليّ (عليه السلام): اعبد الله كأنك تراه.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم من الاحاديث الحافلة بدلالته المثيرة، وبلاغته الفائقة. اما من حيث دلالته، فانه يشير الي العبادة وصلتها بالله تعالي، ومن البيّن ان المقصود من العبادة هو: العبادة بمعناها الأعم، اي: مطلق ما يقوم به العبد من السلوك، سواء كان شعائريا كالصلاة والصوم، او غيره من الأعمال الاقتصادية والاجتماعية والادبية الخ، كالبيع والشراء والانفاق والتأليف والتوظيف الاداري، حيث طالب النص الانسان المسلم بان يمارس عمله بالنحو الذي رسمه له الله تعالي، وذلك بان يكون مطابقا للمبادئ الاسلامية، خالصاً لله تعالي، بمنأي عن الرياء، والّا يعمل في الخفاء ما يخجل منه في العلن، وهذا ما عبر عنه بصياغة صورة تشبيهية هي: (اعبد الله كأنك تراه)، وهذا التشبيه ينطوي علي نكات متنوعة، يجدر بنا ان نحدثك عنه الآن.
بلاغة الحديث
الصورة المتقدمة نطلق عليها مصطلح (الصورة العملية) اي: الصورة غير المركبة من ادوات تخيليّة لا واقع لها من حيث الواقع الخارجي، ان الله تعالي يرانا ولا نراه، انه تعالي ليس بحادث، وهو منزّه عن الرؤية، ولكن يتعين علي العبد ان يضع في ذهنه ان الله تعالي مطلّع علي ما يمارسه العبد ليس في النطاق الحركي فحسب بل حتي الخطرات في الذهن، والصدر والقلب، وفي ضوء هذه الحقيقة اذا كنّا نخجل من العمل السئ امام الناس، ألا يتعين علينا ان نخجل من الله تعالي: مادام هو يرانا؟ كيف نخجل من الناس، ولا نخجل من الله تعالي؟
هذه الحقيقة يجسّدها الحديث القائل (اعبد الله كانك تراه) اي: اذا كنا نتصور بان الله تعالي يرانا، حينئذ سنخجل حقاً من ممارسة المعصية؟
وكأننا نري الله تعالي مادام يرانا: حينئذ لا نعمل أي عمل مخالف لما يريده الله تعالي وهذا هو العطاء الضخم الذي يرشح به هذا الحديث: حينما ندقق فيه، ونطبّق ما طالبنا به، اي: حينما نعتقد تماماً وحقاً بان الله تعالي مطّلع علي ما نمارسه من الأعمال من هنا ايضاً ندرك السر الكامن وراء التشبيه الواقعي الذي قدّمه الامام (عليه السلام) حيث استخدم اداة (كأن) وهي اداة تشبيهة تختلف عن الادوات التشبيهية الاخري من حيث انها لا تجعل طرفي التشبيه حسياً بقدر ما تجعله ذهنيا، ولكنه اشد من التأثير الحسّي في ذهنية العبد.