أحبّاءنا المستمعين !
سلام من الله عليكم ورحمته وبركاته ، ويسرّنا أن نعاود اللقاء معكم مع قضيّة أخري من قضايا الشباب عبر برنامج نبض الحياة ، وذلك بعد أن تحدّثنا في الحلقة المنصرمة من البرنامج عن ظاهرة الإدمان بين الشباب والتي تعتبر من أكثر السلوكيّات الخطيرة انتشاراً بين الشباب . وفي هذه الحلقة سنتوقّف عند ظاهرة خطر ابتلاء الشباب بارتكاب الجريمة ، ندعوكم لمرافقتنا ....
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
من المعلوم أن التنمية في المجتمعات وتطوّرها يعتمد علي وجود قوّة بشريّة نزيهة وملتزمة ومتخصّصة وشابّة ، ذلك لأن الطرف المقابل للنزاهة والالتزام وهو الجريمة يعتبر من العوامل التي تسهم في القضاء علي القوّة البشريّة الشابّة والفاعلة وسقوطها ، فالشباب واليافعون يفقدون فرصاً لا يمكن تلافيها في مجال الدراسة والعمل ، وهم يحمّلون البلدَ الكثيرَ من النفقات الفادحة ، ويهدّدون أمن المجتمع ، ويحرمونه من التمتّع بقوّة عاملة متخصّصة وقديرة ويثيرون التساؤلات والشكوك بشأن شرعيّة نظامهم .
والجريمة تطلق من الناحية القانونيّة علي الأفعال التي تصدر من الشباب خلافاً للقوانين و المقرَّرات و النظم والاجتماعيّة . وهي أفعال وسلوكيّات مثل الكذب المتكرّر والهروب من البيت و التشرّد والتسوّل والتخريب والسرقة و عدم رعاية حقوق الآخرين والانحرافات الجنسيّة وغير ذلك ممّا يعدّ من بين المخالفات والجرائم الشائعة بين الشباب .
والجرائم لا تمثّل مشاكل تظهر في يوم واحد بحيث تكون بحاجة إلي حلول قصيرة وسهلة وسريعة . ولا شك في أن الشاب المرتكب للمخالفات متورّط أكثر من الشباب الآخرين بمشاكل الحياة . وفي الكثير من الحالات ، تصدر سلوكيّاته الإجراميّة من التوتّر والضغوط النفسيّة الشديدة التي تحمّلها طيلة مرحلة طفولته . وفي معظم الحالات تكون سلوكيّات الشاب الإجراميّة ناجمة عن انعدام الوعي والتجربة و عدم تعلّم السلوك المناسب . لأن هؤلاء الشباب لم يجدوا خلال فترة بلوغهم نموذجاً و قدوة مناسبين لإشباع مطالبهم . وقد تكون سلوكيّات الشباب المناهضة للمجتمع ناجمة عن جهلهم بالمهارات الاجتماعيّة ، بمعني أنهم لم يحتذوا طيلة مرحلة نموّهم وتطوّرهم بالنماذج و القدوات والتعاملات اللازمة لتعلّم السلوكيّات المناسبة .
كما يري البعض أن هناك أسباباً فيزيولوجيّة تقف وراء انتشار الجرائم بين الشباب مثل الأسباب الوراثيّة والضعف العقلي والنواقص الجسميّة . ومن العوامل الأخري للانحرافات بين الشباب ، عدم توفّر الإمكانيّات الترفيهيّة و تبعات السكن في المدن و انتشار وسائل الإعلام و الترويج للإثارات الجنسيّة وغيرها .
مستمعينا الأكارم !
إن العيش بين أحضان عائلة صالحة والعلاقة الوثيقة بين الشخص اليافع والوالدين و النجاح في الدراسة والتمتّع بمجموعة من الأصدقاء الصالحين وممارسة النشاطات الرياضيّة والمشاركة في الجمعيّات العلميّة والثقافيّة ، هي من العوامل المهمة في السيطرة علي السلوك الإجرامي . والأسرة الصالحة والصادقة توفّر إمكانية النموّ العاطفي والاجتماعي للشاب من خلال إيجاد الدافع و الإشراف علي سلوكيات الشباب وكيفيّة معاشرته للأصدقاء . وبإمكان الأسرة أن تساعد الشباب علي أن يتحوّلوا إلي أعضاء فاعلين وناشطين في المجتمع عبر إظهار ردّ الفعل المناسب بمجرّد مشاهدة الانحراف في السلوك وتعزيز الجوانب الإنسانيّة والعاطفيّة لدي أولادهما . وتبدأ المشكلة عندما تكون الأسرة عاجزة عن مواصلة توفير الأجواء الدافئة والصادقة لنموّ الفرد الشاب . فالأسرة المفكّكة أو المتلاشية أو المعانية من الأزمات بعبارة أخري لايمكنها توفير محيط مناسب لنموّ الشاب .
وتؤكّد الغالبيّة العظمي من الباحثين والمتخصّصين في العلوم الاجتماعيّة تأكيداً خاصّاً علي أهمية الأسرة ودورها باعتبارها البنية التحتيّة لكلّ مجتمع ولايمكن في الظروف الاجتماعيّة الحالية تجاهلُ هذه الحقيقة المرّة وهي أن مؤسسة الأسرة المقدّسة في المجتمعات المختلفة تتعرّض للأسف للتهديدات الجدّية . وفي الحقيقة فإنّ تعزيز أساس الأسرة هو بمثابة تعزيز للقوّة الذاتيّة للأعضاء الآخرين و توجيههم نحو مستقبل زاهر .
ويؤكّد عالم الاجتماع والباحث الأمريكيّ ترافيس هيرشي (Travis Hirschi) في دراسته للانحرافات الاجتماعيّة علي أربعة مصادر للسيطرة علي ظاهرة الجريمة بين الشباب في قوله :
( هذه المصادر هي ) اعتمادهم علي الوالدين و المدرسة و مجموعة أترابهم و الرغبة في القيام بالأعمال العاديّة واليومية وخاصة الدراسة والعثور علي العمل . وفي الحقيقة فإن عدداً كبيراً من المجرمين نشؤوا في أسر كانت محرومة من عطف الوالدين ومحبّتهما و كانت أجواء التوتّر و الحسّاسيات والنزاع هي السائدة بين أفراد الأسرة في معظم الأوقات .
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
ومن جهة أخري فإن التزام الأسرة بالأصول والضوابط الأخلاقيّة والعقيديّة هو عامل مؤثّر في انتشار الجريمة بين الشباب . وفي الحقيقة فإنّ الشباب يتعلّمون المفاهيم الأخلاقية الصحيحة والمغلوطة علي أساس قيم والديهم ومعتقداتهما . ومن جهة فإنّ الأسر التي لا تلتزم بالأصول الأخلاقيّة والعقيديّة ، فإن القيم التي تنقلها إلي الشباب تتنافي مع الأخلاق ولذلك فإن ضميرهم الأخلاقي سوف لا ينمو بالشكل المطلوب .
والأسر التي لا تري حرمة للحجاب أو لتعاملها في العلاقات ضمن نطاقها ومع الأقارب والأسرة التي لا تري ضيراً في ما يبثّ علي القنوات الفضائيّة في البيت من أفلام غير أخلاقيّة ، تبذر في الحقيقة بذور الانحرافات الأخلاقيّة والجريمة في أذهان أولادها وأنفسهم .
ومن جهة أخري ، فإنّ محيط المدرسة له دور كبير في تشكيل شخصيّات التلاميذ فممّا لاشك فيه أن قسماً من مصير التلميذ ومستقبله يتعيّن في المدرسة . والكثير من الشخصيات العظيمة مدينة للمعلّمين الصالحين والملتزمين و تري أن مصدر نجاحها يكمن في تخرّجهم من مدرسة تتخذ من الأخلاق والمعرفة محوراً لها . و عدم كفاءة المعلّم و التمييز و انعدام العدالة في تعامل المربّين مع التلاميذ وإهانتهم وتحقيرهم ، كلّ ذلك هو من العوامل التي تدفع اليافعين إلي الهروب من محيط التعليم والتربية . وبالتالي فإنها تهيّء الأرضيّة لارتكابهم أنواع المخالفات والجرائم .
في ختام حلقتنا لهذا الأسبوع من برنامج نبض الحياة لا يسعنا إلّا أن نقدّم لكم خالص شكرنا وتقديرنا علي كرم المتابعة ، راجين منكم أن تبقوا في انتظارنا عند تكملة حديثنا حول ظاهرة انتشار السلوك الأجرامي بين الشباب ، في أمان الله .