السلام عليكم إخوة الإيمان أطيب الأوقات وأنفعها نرجوها لكم من الله عزوجل وأنتم مع حلقة اليوم من هذا البرنامج ومحورها هو التخلق بخلق الحلم الإلهي. والحلم من أخلاق الله عزوجل في تعامله مع سيئات خلقه وخطاياهم، وهو قد يبلغ مرتبة مقابلة الإساءة بالإحسان، والحلم يعني أساساً عدم مقابلة الإساءة بمثلها ومصاديقه في سنة الله في التعامل مع خلقه كثيرة معروفة، وأهم ثماره إعطاء فرصة للمسيء للتنبه والندم وترك عمله القبيح وتصحيحه، فهو إذن من مظاهر خلق الرحمة الإلهية بالعباد.
والتخلق بهذا الخلق الإلهي من شأنه حفظ وإيجاد أجواء المودة في المجتمع من خلال تطويق دائرة النزاعات الناشئة من الرد على الإساءة بالمثل. ومن ثماره أيضاً تهذيب نفس المتخلق به من نزعات حب الإنتقام، كما أنه يمنح للطرف المسيء فرصة كريمة للإنتباه لخطأه. وبعد هذه المقدمة ننقل لكم أيها الأعزاء ثلاث روايات من سيرة أهل بيت النبوة عليهم السلام، تنير لنا سبل التخلق بهذا الخلق النبيل، الرواية الأولى نقلها الحافظ السروي الحلبي المازندراني في كتاب المناقب قال: روى المبرد وابن عائشة أن شاميا رأى الإمام المجتبى عليه السلام رآه راكبا فجعل يلعنه والحسن لا يرد فلما فرغ أقبل الحسن عليه السلام فسلم عليه وضحك وقال: "أيها الشيخ أظنك غريبا، ولعلك شبهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعا أشبعناك، وإن كنت عريانا كسوناك، وإن كنت محتاجا أغنيناك، وإن كنت طريدا آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حركت رحلك إلينا، وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك، لان لنا موضعا رحبا وجاها عريضا ومالا كثيرا" . فلما سمع الرجل كلامه، بكى ثم قال: أشهد أنك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته، كنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إلي والآن أنت أحب خلق الله إلي وحول رحله إليه، وكان ضيفه إلى أن ارتحل، وصار معتقدا لمحبتهم عليهم السلام.
والرواية الثانية نختارها من كتاب المناقب نفسه ضمن حديث الحافظ السروي عن مناقب الإمام السجاد عليه السلام قال رحمه الله: شتم بعضهم زين العابدين عليه السلام فقصده غلمانه فقال: "دعوه فإن ما خفي منا أكثر مما قالوا" ، ثم قال عليه السلام للذي شتمه: "ألك حاجة يا رجل؟" فخجل الرجل، فأعطاه عليه السلام ثوبه وأمر له بألف درهم، فانصرف الرجل صارخا: أشهد أنك ابن رسول الله.
أما الرواية الثالثة فنختارها من سيرة مولانا الإمام الكاظم عليه السلام، رواها الشيخ المفيد في كتاب الإرشاد، وجاء فيها أن رجلا كان بالمدينة يؤذي أبا الحسن موسى الكاظم عليه السلام ويسبه إذا رآه، ويشتم عليا فقال له بعض حاشيته يوما: دعنا نقتل هذا الفاجر، فنهاهم عليه السلام عن ذلك أشد النهى، وزجرهم، وسأل عن الرجل ولقبه العمري فذكر أنه يزرع بناحية من نواحي المدينة، فركب إليه، فوجده في مزرعة له، فدخل المزرعة بحماره فصاح به الرجل العمري: لا تطأ زرعنا، فتوطأه عليه السلام بالحمار، حتى وصل إليه، ونزل وجلس عنده، وباسطه وضاحكه، وقال له: "كم غرمت على زرعك هذا؟" قال مائة دينار، قال: "فكم ترجو أن تصيب؟" قال: لست أعلم الغيب قال له: "إنما قلت كم ترجو أن يجيئك فيه؟" قال: أرجو أن يجيء مائتا دينار.
قال: فأخرج له أبو الحسن عليه السلام صرة فيهما ثلاثمائة دينار، وقال هذا زرعك على حاله، والله يرزقك فيه ما ترجو قال: فقام الرجل العمري فقبل رأسه وسأله أن يصفح عما بدر منه من إساءات، فتبسم إليه أبو الحسن الكاظم عليه السلام وانصرف، قال الراوي: وراح إلى المسجد فوجد العمري جالسا فلما نظر الى الإمام قال: الله أعلم حيث يجعل رسالاته قال: فوثب أصحابه إليه فقالوا له: ما قضيتك؟ قد كنت تقول غير هذا قال: فقال لهم: قد سمعتم ما قلت الآن، وجعل يدعو لأبي الحسن عليه السلام، فلما رجع أبو الحسن الكاظم عليه السلام إلى داره قال لجلسائه الذين سألوه في قتل العمري: "أيما كان خيرا ما أردتم؟ أم ما أردت؟ إنني أصلحت أمره بالمقدار الذي عرفتم" .
رزقنا الله وإياكم مستمعينا الأفاضل حسن الإستجابة لوصية مولانا رسول الله بالتخلق بأخلاق الله. تقبل الله منكم جميل الإستماع لهذه الحلقة من برنامج (من أخلاق الله)، إستمعتم لها من صوت الجمهورية الإسلامية في ايران. دمتم في رعاية الله.