السلام على الحسين وعلى عليّ بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين.
وتلك وجاهة شريفة من الله تعالى بالامام الحسين عليه السلام، أن يُتلى السلام على أصحاب الحسين آناء الليل وأطراف النهار، بزيارة مقدسة يُزار بها سيد شباب اهل الجنة، فيُزارون معه ومع آل بيته الاوفياء الكرام. وقد اختار الله تعالى له موالين، ابراراً ميامين، فحُمدت مآثرهم، بعد ان زكت جوانحهم وضمائرهم... وكان منهم عابس بن ابي شبيب الشاكري، فمن عابس هذا يا تُرى؟
عرّفه أبو القاسم النراقي في (شُعب المقال) بقوله: هو من حوارّيي أبي عبد الله الحسين عليه السلام، وقد قُتل معه.
ومجدّه المحدث الشيخ عباس القمي في كتابه (سفينة البحار) فقال: كان عابس اشجع الناس، ولما خرج يوم عاشوراء الى القتال لم يتقدم اليه أحد، فمشى بالسيف مُصلتا ً نحوهم وبه ضربة على جيبنه، فأخذ ينادي: ألا رجل؟! ألا رجل؟!
فنادى عمر بن سعد بجنده: ويلكم! أرضخوه بالحجارة. فرُمي بالحجارة من كل جانب... فلما رأى ذلك القى درعه ومغفره، ثم شدّ على الناس.
أما الكاتب عباس محمود العقاد، فقد كتب في مؤلفه (ابو الشهداء الحسين بن علي): لما برز عابس الشاكري وتحداهم للمبارزة، تحاموه لشجاعته، ووقفوا بعيدا ً عنه، فقال لهم عمر بن سعد: أرموه بالحجارة. فرموه من كل جانب، فاستمسك وألقى درعه ومِغفره، وحمل على من يليه فهزمهم، وثبت لجموعهم، حتى قُتل.
بطل شهم غيور مثل عابس، ينبغي ان يُتعرَّف عليه ويُفتخر به، هو عابس بن ابي شبيب بن شاكر الهمدانيّ الشاكري، من اهل المعرفة والبصيرة والايمان، ومن اسرةٍ عُرفت بالشجاعة والاقدام، فبنو شاكر بطن من همدان، التي عُرفت بالولاء والاخلاص والصدق، والتفاني في سبيل اعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى، وكانوا من شجعان العرب وحُماتهم، حتى لُقبوا بـ(فتيان الصباح)، وفيهم قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه يوم صفّين: (لو تمت عدتهم ألفا ً، لعُبد الله حقَّ عبادته).
وكان من هذه الاسرة الطيبة: شوذب بن عبد الله الشاكريّ، الذي يُعدّ في رجال الشيعة ووجوهها، ومن الفرسان الابطال المعدودين، وكان حافظا ً للحديث، حاملا ً له عن أمير المؤمنين علي ّ عليه السلام، وكان من الرجال المخلصين، وكانت داره مألفا ً للشيعة يتحدثون فيها حول فضائل أهل البيت عليهم السلام.
ويوم عاشوراء... أقبل عابس الشاكري على شوذب الشاكري، يقول له: يا شوذب، ما في نفسك ان تصنع؟
أجاب شوذب: أقاتل معك حتى أ ُقتل.
فجزاه عابس خيرا ً وقال له: تقدّم بين يدي ابي عبد الله الحسين حتى يحتسبك كما أحتسب غيرك، وحتى احتسبك؛ فان هذا يوم نطلب فيه الاجر بكل ما نقدر عليه فسلم شوذب على الامام الحسين، وقاتل دونه حتى استشهد.
واما عابس الشاكري، فهو من الطبقة المؤمنة المجاهدة الصابرة، عرف بمواقفه الشامخة، وكان احد دعاة النهضة الحسينية المباركة في الكوفة، واحد المناصرة لمسلم بن عقيل سفير الامام الحسين عليه السلام. فحين بلغ الكوفيين خبر هلاك معاوية.. اخذت كتبهم تتلاحقُ على الامام الحسين عليه السلام، حتى اجتمع عنده اثنا عشر الف كتاب، فكان منه عليه السلام لطف الاجابة، اذ ارسل اليهم ابن عمه مسلم بن عقيل رضوان الله عليه ممثلا عنه، فما قدم مسلم حتى اسرع اهل الكوفة الى مبايعته، فقأعليهم كتاب الامام الحسين عليه السلام فأخذوا يبكون وخطب خطباؤهم مرحبين، وموطنين انفسهم على نصرته، وممن قام فبايع مسلما وازره عابس الشاكري، حيث حمد الله واثنى عليه، ثم قال لمسلم: اما بعد،فاني لاخبرك عن الناس، ولا اعلم بما في انفسهم، وما اغرك منهم، والله اني لاحدثك عما انا موطن نفسي عليه، والله لاجيبنكم اذا دعوتم، ولأقاتلن معكم عدوكم، ولاضربن بسيفي دونكم، حتى القى الله.. لا اريد بذلك الا ما عند الله، وكان عابس الشاكري كذلك عند مقولته، من الرِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ولايمانه وثاقته، ارسله مسلم مسلم بن عقيل برسالته الى الامام الحسين سلام الله عليه، فلما بلغ الرسالة لازم مولاه في مكة، ثم خرج مع ابي عبد الله الحسين نحو كربلاء حتى نزلها معه.
وكان يوم عاشوراء.. فهوى خمسون شهيدا من اصحاب الحسين في الحملة الاولى فاخذ الاصحاب يبرزون الى ساحه القتال فرادى وحدانا، اواثنين يحمي كل واحد ظهر صاحبه، فيخرج الاخوان، او الصديقان، او ابنا العم، فيقاتلان معا حتى يستشهدا معا.
ولما قدم عابس صاحبه وقريبه شوذب الشاكري، حتى استشهد، اقبل على امامه قائلا: يا ابا عبد الله، اما والله ما امسى على ظهر الارض قريب ولا بعيد اعز علي ولا احب الي منك، ولو قدرت على ان ادفع عنك الضيم والقتل بشيء اعز علي من نفسي ودمي لفعلته. السلام عليك يا ابا عبد الله اني على هديك وهدي ابيك.
ثم مشى عابس يصيح بالاعداء: ألا رجل لرجل؟!
فقال عمر بن سعد لأصحابه يدعوهم للغدر الجبان: ارضخوه بالحجارة! فرُمي رضوان الله عليه بالحجارة من كلّ جانب، فلما رأى ذلك ألقى درعه ومِغفره، ثمّ شدّ على القوم أعزل اليدين، فوالله ـ كما يقول الراوي ـ لرأيته يكرد اكثر من مئتين من الناس، ثم ان القوم تعطفّوا عليه من كل جانب حتى قتلوه.
فتكالب القتلة على فرسه كلُّ يقول: أنا قتلته، مختصمين به لدى عمر بن سعد، فقال لهم: لا تختصموا، هذا لم يقتله سنان واحد. ففرّق بينهم بهذا القول. وكان قبل ذلك أن أحجم الجيش عن مجابهة عابس بالسيف أو الرمح، وتراجعوا عن مجابهته ومواجهته، حتى أنهم فرّوا من بين يديه وكان ألقى درعه ومغفره وشدّ عليهم مُجرَّا ً، فقيل له: أجُننت يا عابس؟!
فقال: أجل.. حب الحسين أجنَّني!