البث المباشر

فاطمة عليها السلام في ايات الاصطفاء ـ۱

الإثنين 30 سبتمبر 2019 - 12:31 بتوقيت طهران

اذاعة طهران - فاطمه في القرآن والسنة: الحلقة 38

 

بسم الله الرحمن الرّحيم الحمد لله آناء اللّيل والنّهار، وأفضل الصّلاة وأسمى السّلام على النبيّ المختار، وعلى آلهِ الهداة الأبرار. أيها الإخوة الأعزة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله، وأهلاً بكم في لقاءٍ آخرِ طيبٍ معكم، وحديثٍ آخرِ في آفاقٍ قرآنية جديدة، حيث هنالك آياتٌ كريمةٌ في كتاب الله العزيز، يمكنُ إطلاقُ اسم (آيات الاصطفاء) عليها، حيث قال تعالى: في سورة آل عمران: " إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ"(۳۳-۳٤). وفي سورة النمل: "قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ" (٥۹). وفي سورة فاطر: " إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ* ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ" (۳۱ - ۳۲). وفي سورة الحجّ: "اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ"(۷٥) وفي سورة آل عمران: "وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ" (٤۲). وهنا أوّلاً أيها الإخوةُ الأفاضل يحسُن بنا أن نتعرّف باختصارٍ على معنى الاصطفاء، فهو من الصَّفو، ومعناه الخلوصُ من الشوائب، والاصطفاء هو تناول صفوِ الشيء، كما أنّ الاختيارَ هو تناوُلُ خير الشيء. ولذا حين قال تعالى: "ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا" يفهم المفسّرون أنّ الاصطفاء وقعَ من قبلَ اللهِ تعالى على بعض العباد، أمّا باقي العباد "فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ"، أمّا الذينَ اصطفاهُم اللهُ تبارك وتعالى من بين عباده فيعرّفنا بهمُ الإمام جعفرُ الصادق عليه السلام بقوله: "هُم آلُ محمّدٍ صلّى الله عليه وآله". ولا شكَ أيها الإخوةُ المؤمنون أنّ الزهراءَ فاطمة عليها السلام هي من أخصّ آل محمّدٍ صلوات الله عليها وعليهم، وكيف لا تكون من المصطفين وهي سيدة نساء العالمين اصطفاها الله تعالى وفضلها على النساء من الأوّلين والآخرين.
وبعدُ إخوتنا الأفاضل نتابع، من هُمُ المصطفون يا ترى في كتابَ الله عزّوجلّ ؟ فنقرأ مثلاً: "إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ"، فنجد المفسّرين يقولون: إنّ الاصطفاء هو أخذُ صفوةِ الشيء وتخليصه ممّا يكدّره، وهو قريبٌ من معنى الاختيار. والاصطفاءُ هنا في هذه الآية المباركة ليس اصطفاءً من العالمين ، إنّما هو اصطفاءٌ على العالمين، فهو نوعٌ اختيارٍ وتقديم معاً لمن اصطفاهُم الله على جميع العالمين في أمورٍ لا يشاركُهُم فيها غيرُهم. وقد ذُكِر المصطفون في الآية: "آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ". وتختصّ كلمةُ الآل بالأشراف الذين يؤول أمرُهم إلى من يضافون إليه، لذا يكون المرادُ بآلِ إبراهيم وآل عمرانَ خاصّتهما والملحقين بهما، فيختصّ الأمر ببعضِ الذريةّ لا جميعها، وهي الذريةُ الطاهرة. وآل ابراهيم عليهم الصلاةُ والسلام، هُم الطاهرون الطيبون من ذريته، وهو أبو الأنبياء جميعاً بعد نوحٍ عليه السلام، حيث ليس نبيٌ من بعد إبراهيم إلاّ كانَ من نسلهِ الطيب الخاصّ، إلى أن تبلغ النبوّةُ إلى سيد الأنبياء والمرسلين، وهو محمّدٌ المصطفى صلّى الله عليه وآله، الذي هو مظهرٌ لكمال الحق، ومن بعده آله الطاهرون، وذريتُه الطيبون المؤمنون وهم أولى بإبراهيم عليه السلام وقد قال تعالى: " إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ" ( آل عمران: ٦۸). وأخصُّ المؤمنين وأسمى مصداقٍ لهم هُم آلُ البيت عليٌّ وفاطمةُ والحسنُ والحسين وأئمّة الحقّ من أبناء الحسين عليهم السلام، ومحورهُم الزهراء عليها السلام وقد ورد عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام في رواياتٍ مستفيضةٍ أنّ المراد بالمصطفين هم ذريةُ رسول الله صلّى الله عليه وآله من أولاد فاطمة صلوات الله عليها وعليهم، وهم الداخلون في آل إبراهيم في قولهِ تعالى: "إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ"، هل نستطيع إثبات ذلك ياترى؟ إلى ذلك بعد هذه الاستراحة القصيرة.
في تفسيره (الدرّ المنثور) روى الحافظُ السيوطيُّ الشافعيّ في ظلّ آية الاصطفاء ثلاث روايات: الأولى أسندَها إلى ابن عبّاس أنّه في ظلّ قوله تعالى: "وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ" قال: هُم المؤمنون من آل إبراهيمَ وآل عمران وآل ياسين وآل محمّدٍ صلّى الله عليه وآله. والثانية أسندها إلى قتادة أنّه قال في بيانٍ له حول الآية المباركة: ذكرَ اللهُ أهل بيتينِ صالحين، ورجُلين صالحين (أي آلَ إبراهيم وآل عمران)، ففضّلهم على العالمين، فكان محمّدٌ صلّى الله عليه وآله من آل إبراهيم. أمّآ الرواية الثالثة التي كتبها السيوطي الشافعي في (الدر المنثور) فقد أسندها إلى جعفر بن محمّدٍ الصادق، عن أبيه محمدٍ الباقر، عن أبيه عليٍّ زين العابدين عليهمُ السلامُ أجمعين، أنّ علياً عليه السلام قال لولده الحسن المجتبى عليه السلام: قُم فاخطب الناس. فقال: إنّي أهابك أن أخطبُ وأنا أراك. فتغيب الإمام عليٌّ عليه السلام حيث يسمع كلامه ولا يراه، فقام الحسنُ فحمد اللهَ وأثنى عليه وتكلّم ثمّ نزل، فقال عليّ عليه السلام: "ذريةً بعضُها من بعضٍ واللهُ سميعٌ عليم". أجل وهذه الآية جاءت بعد آية اصطفاء الآل، والذرية من آل إبراهيم، سيدها رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأشرف ذريته فاطمة، وأزكى ذراري النبيّ من فاطمة وعليٍّ عليهما السلام.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة