البث المباشر

فاطمة عليها السلام في آية الصهر -۱

الإثنين 30 سبتمبر 2019 - 12:22 بتوقيت طهران

اذاعة طهران - فاطمه في القرآن والسنة: الحلقة 35

 

بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ للهِ على ما أنعم وأكرم، وأفضلُ الصلاةِ والسَّلامِ على محمّدٍ وآلهِ هداةِ الأمم. أيها الإخوةُ الأعزّة، السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاته، وأهلاً بكم في ملتقانا الطيب هذا معكم، وآيةٍ أخرى نازلةٍ في شأنٍ من شؤون أهل البيت عليهم السلام، وهي تخصّ مولاتنا الزهراءَ فاطمةَ عليها السلام أيضاً، وقد عُرفت من بينِ الآيات الكريمة بـ (آيةِ الصّهر)، تلك هي قولُه تبارك وتعالى: "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراًً" الآية الرابعة والخمسون من سورة الفرقان، فما معنى الصّهر والمصاهرةِ يا ترى؟ كتب الشيخ فخرُ الدين الطُّريحيّ في (مجمع البحرين): صَهَرتُ الشيءَ فانصَهَر، أي أذَبتُه فذاب. ومنه: تصهَرُه الشمس. والصّهر:

قرابةُ النّكاح، فقد قسّم اللهُ سبحانه البشر قسمين: ذوي نسبٍ ذكوراً ينسبُ إليهم، وصهراً إناثاً يصاهَر بهنّ. وكتب الخليلُ الفراهيديّ في كتابه الشهير (العينَ): الأصهار: أهلُ بيت الزوجة. أمّآ الراغبُ الأصبهانيّ فبيانُه في كتابه (مفردات غريب القرآن) على هذا النحو: الصّهر: الخَتَن (أي زوج البنت). وعن ابنِ الأعرابيّ: الإصهار: هو التحرُّمُ بجوارٍ أو نسبٍ أو تزوُّج، قال تعالى: (فَجَعَلَهُ نسباً وصهراً). والآن إخوتنا الأكارم نتّجِهُ نحو معنى الآية، ومدلولها ومصداقها الأعلى، فإلى ذلك بعد هذه الوقفة القصيرة.

اقتضى المناسبُ هنا أوّلاً أن نتعرّف على ما رواه أنسُ بن مالك، وقد عرّف بمعجزةٍ للنبيِّ صلّى الله عليه وآله قال فيها وقد قدّم لعلي عليه السلام عُنقوداً: "كُل يا أخي، فهذهِ هديةٌ من اللهِ إليَّ ثمّ إليك". قال أنس: فقلتُ يا رسولَ الله، عليّ أخوك؟ قال: "نعم، علي أخي". قلتُ: صف لي كيف علي أخوك، قال: "إنّ اللهَ عزّوجلّ خَلَق ماءً تحت العرش قبلَ أن يخُلق آدم بثلاثةِ آلافِ عام، وأسكَنَه (أي الماءَ) في لؤلؤةٍ خضراءَ في غامضِ علمِهِ إلى أن خَلَق آدم، فلمّا خلقَ آدمَ نقلَ ذلك الماء إلى اللؤلؤةِ فأجراهُ في صُلبِ آدم، إلى أن قَبَضه الله، ثمّ نقله إلى صُلبِ شيث، فَلم يزل ذلك الماءُ ينتقلُ من ظهرٍ إلى ظَهر، حتّى صار في صُلبِ عبدالمطّلب، ثمّ شقّه اللهُ عزّوجلّ نصفين، فصارَ نصفُه في أبي: عبد اللهِ بنِ عبدالمطّلب، ونصفٌ في أبي طالب، فأنا من نصف الماء، وعلي من النصف الآخر، فعلي أخي في الدنيا والآخرة، وذلك قولُ الله عزّوجلّ :"وهوَ الّذي خَلَقَ من الماءِ بشراً فجعَلَهُ نَسباً وصهراً، وكان ربّك قديرا".

وروى شهاب الدين الأيجيّ في كتابه (توضيح الدلائل في تصحيح الفضائل) بإسناده عن أبي جعفر الباقرعليه السلام في ظلّ قوله تعالى: "فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً"، قال: "هو علي وفاطمةٍ". وروى بعضهم عنه وعن غيره: "هو محمّدٌ وعلي والحسن والحسين" عليهم السلام. وكأنّه يراد بأنّ علياً عليه السلام هو المصاهر، فكانت المصاهرةُ بسِببِ الزهراءِ فاطمة عليها السلام، فكان النسبُ من علي سلامُ الله عليه، فجاء منهما أولادُ رسول الله الحسنُ والحسين، والتسعةُ المعصومون من ذريةِ الحسين، صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهم أجمعين.

وهذا تطبيقٌ لأشرف مصاهرةٍ كانت في بيت النبوّة والرسالة، وإلاّ فهناك مصاهراتٌ سبقت، كانت أولاها بين أبوينا آدمَ وحوّاءَ عليهما السلام، روى بُريد العجليّ قال: قال أبو عبدالله الصادقُ عليه السلام: "إنّ اللهَ تبارك وتعالى خَلَق آدمَ من الماءِ العذب، وخَلق زوجتهَ من سنخِه، ثمّ زوّجها إياهُ فجرى بينهما بسبب ذلك صهر، فذلك قوله: "نَسَباً وَصِهْراً"، "فالنَّسبُ ما كان بسببِ الرجال، والصِّهرُ ما كان بسبب النساء"". وهنا وددنا إخوتنا الأحبّة أن نعرضَ بياناً لعلمائنا جاء فيه: أنّه ليس حُكمُ فاطمةَ عليها السلام مثلَ بقية النساء، فلفاطمةَ سلامُ الله عليها أمومةُ الأئمّة عليهم السلامُ إلى يوم القيامة، ومنها الحسنُ والحسين، ومنها عَقِبُ رسول الله صلّى الله عليه وآله، وزوجها علي من أصلها وليس بأجنبيّ، والعاقدُ بينهما هو اللهُ جلّت قدرتُه وعظمتُه. وقد توسّل النبيّ إلى زواجها بعدَ ما ردَّ كلَّ من تقدّم قبلَ أمير المؤمنينَ علي عليه السلام. وكان القابل في هذا الزواج المبارك الميمونِ جبرئيلُ عليه السلام، والخاطبَ راحيل، والشهودَ حملةُ العرش، وصاحبَ النثار رضوان، وطبقُ النّثارِ من شجرةِ طوبى، والنّثارُ هو الدرُّ والياقوتُ والمرجان، وكان ثمارُ ذلك الزواج الفريد هو أئمّة الحقّ والهدى عليهم سلامُ الله وصلاتُه. إذن، فالإمام علي عليه السلام أيها الإخوةُ الأكارم هو الصّهرُ بعد أن كان نسباً فقط، وقد توافرت على ذلك أخبارٌ صحيحة فمثلاً في كتاب (معاني الأخبار) للشيخ الصدوق: قال أمير المؤمنين عليه السلام: (أنا الصّهر)، يقول اللهُ عزّوجلّ: " وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً". وعن أنس أنّ النبيَّ صلّى الله عليه وآله خطَبَ على المنبرَ في تزويج فاطمة عليها السلام فكان من كلامه قولُه: "إنّ اللهَ جَعَل المصاهرةَ نسباً لاحقاً، وأمراً مُعترضاً، وَشَجَ به الأرحام، وألزمها الأنام. قال اللهُ تعالى "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً"، ثمّ إنّ الله أمرني أن أزوّجَ فاطمةَ من علي، وقد زوّجتها إياه على مئةِ مثقال فضّة، أرضيتَ يا علي؟! قال: رضيتُ يا رسول الله".

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة