بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله اناء الليل والنّهار، وافضل الصّلوات على النبي المختار، وعلى اله الهداة الابرار، اخوتنا الاكارم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله، واهلا بكم مرّة اخرى، في لقاء طيب اخر مع اية اخرى من الايات التي خصّت مولاتنا الصدّيقة الزهراء فاطمة عليها السلام، وهي قوله تبارك وتعالى: "وآت ذا القربى حقّه" وهذه هي الاية السادسة والعشرون من سورة الاسراء، وقد تكرّر هذا النصّ الشريف في الاية الثامنة والثلاثين من سورة الروم، ولكنّها تصدّرت بالفاء لا الواو، ونصّها:"فآت ذا القربى حقّه" والموضوع واحد ايها الاخوة الاعزّة، امر الهيّ وخطاب ربّاني، موجّه الى رسول الله صلى الله عليه واله باعطاء حق خاص، الى قرباه الاخصّين.
هكذا يتّضح من ظاهر الاية، فما رأيكم اخوتنا المؤمنين ان ندخل الى حقل التفسير، فنرى ما ذا قال في ذلك المفسّرون؟! الى ذلك بعد هذه الوقفة القصيرة.
اخوتنا الافاضل كتب الشيخ الطبرسي في (مجمع البيان) انّ معنى الاية المباركة: "وآت ذا القربى حقّه" هو: وأعط القرابات حقوقهم التي اوجبها الله لهم في اموالكم. قيل: انّ المراد بالقربى هنا قرابة الرسول، عن السّدّي. ثمّ اتى الطبرسي بهذه الرواية: انّ علي بن الحسين عليهما السلام حين بعث به عبيد الله بن زياد اسيرا الى الشام، قال لرجل كان يظنّ انّ اسرى كربلاء خوارج: "أقرأت القرآن؟"، قال الرجل: نعم، فقال عليه السلام: (اما قرأت: "وآت ذا القربى حقّه"؟ فتساءل الرجل مستغربا: وانّكم ذو القربى الذين امر الله ان يؤتى حقّهم؟! قال عليه السلام: (نعم). ثمّ اعقب الطبرسيّ هذه الرواية بخبر مسند ينتهي الى الصحابي المعروف ابي سعيد الخدريّ، حيث قال: لمّا نزل قوله تعالى: "وآت ذا القربى حقّه" اعطى رسول الله فاطمة فدكاً. ومن الطبرسي ايها الاخوة الاعزّاء الى ابن كثير في كتابه (تفسير القران العظيم) فنجده يكرّر خبر الخدريّ، ثمّ يتحير في امر فدك باعتبار ان خيبرا فتحت بعد الهجرة، والسورة سورة الاسراء مكية، وقد غفل هذا المفسّر عن انّ سورا مكية دخلت فيها ايات مدنية كهذه السورة، فقد جاء عن الحسن وقتادة والمعدّل عن ابن عبّاس انّ ثماني ايات من سورة الاسراء هي مدنية. وهذه الاية الشريفة كانت احداها. وهذا ما اكده الشّوكانيّ وهو من علماء اهل السنّة المشهورين ايضا، حيث اورد في تفسيره (فتح القدير) رواية الامام علي بن الحسين عليهما السلام في حديثه مع الرجل الشاميّ، اعقبها بخبر الخدريّ ابي سعيد، قدّم له بهذا السّند: اخرج البزّار، وابو يعلي الموصليّ، وابن ابي حاتم، وابن مردويه، عن ابي سعيد الخدريّ قال: لمّا نزلت هذه الاية دعا رسول الله فاطمة فاعطاها فدكاً. ثمّ اردف الشّوكانيّ هذا النصّ بخبر اخر قال فيه: واخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس انّه قال: لمّا نزلت الاية: "وآت ذا القربى حقّه" اقطع رسول الله صلى الله عليه واله فاطمة فدكا.
ومن الشوكانيّ ايها الاخوة الاحبّة الى الزمخشريّ حيث فسّر الاية المباركة بما ارتأى حتّى انتهي الى اعترافه هذا: وقيل: اراد بذي القربى اقرباء رسول الله صلى الله عليه واله. امّا اذا اردنا مطالعة ما كتبه الطبريّ المؤرّخ في تفسيره (جامع البيان)، فانّنا سنجده يورد اقوال اهل التأويل المختلفة، الى ان يقول: وقال آخرون: بل عنى به (اي الله تبارك وتعالى في قوله: "وآت ذا القربى" قرابة رسول الله صلى الله عليه واله. ثمّ كتب الطبريّ يريد تأييد هذا الرأي: ذكر من قال ذلك: حدّثني محمّد بن عمارة الاسدي قال: حدّثنا اسماعيل بن ابان، قال: حدّثنا الصّبّاح بن يحيى المازنيّ، عن السّدّيّ، عن ابي الدّيلم قال: قال علي بن الحسين لرجل من الشام، الى ان اورد هذا التساؤل المستغرب من ذلك الشاميّ: وانّكم للقرابة التي امر الله جلّ ثناؤه ان يؤتى حقّه ؟! قال: (نعم).
وهذا اخوتنا الاكارم هو ما نقله عنه الحافظ السيوطيّ الشافعيّ في كتابه المعروف (الدرّ المنثور، في التفسير بالماثور). وربّما تهرّب بعض المفسّرين من سبب نزول الاية الشريفة والوقائع التي تلت نزولها، لكنّ البعض الاخر منهم اقرّ بانّ موضوعها هو نحلة فدك التي نحلها رسول الله صلى الله عليه واله ابنته فاطمة عليها السلام، فاصبحت ملكاً لها، وبقيت تحت يدها اربع سنوات، ثمّ اخذت منها بدعاوى لا دليل لها. وهذا الامر يحتاج ايها الاخوة الافاضل الى بيانات تاريخية وعقائدية وشرائعية. كذلك ان كان البعض قد عمّى على ذي القربى، فاطلق تفسيرها بعبارة قرابة الرسول او قراباته، فأوهم، فانّ الحافظ الحسكانيّ، وهو حنفيّ المذهب كان اجرأ من غيره حين اورد في تفسيره (شواهد التنزيل لقواعد التفصيل) رواية ابن عباس، حيث جاء فيها انّ الصحابة سألوا: يا رسول الله، من قرابتك؟ فقال صلى الله عليه واله: "علي وفاطمة وابناهما".