بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على جميع الائه، واشرف الصّلاة والسّلام على محمّدٍ اشرف انبيائه، وعلى اله الميامين اوصيائه.
ايها الاخوة الاعزّة المؤمنون... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، واهلا بكم في الرحاب القرانية وهي تعبق بفضائل اهل البيت النبويّ الطاهر، وقد توافدت الايات المباركة تصدع بمناقبهم، حتّى روي في (الكافي) للكليني، و(البرهان في تفسير القران) للسيد هاشم البحرانيّ، و(تفسير العياشيّ)... وغيرها، عن الاصبغ بن نباتة ان اميرالمؤمنين عليه السلام قال: "نزل القران ارباعا: فرُبعٌ فينا، وربعٌ في عدوّنا، ورُبعٌ سننٌ وامثال، وربعٌ فرائض واحكام، ولنا كرائمُ القران".
وكلمة (فينا) - اخوتنا الافاضل – كلمة ٌ كبرى تعني اهل البيت النبويّ الشريف، منهم الصّديقة الزهراء سلام الله عليها. ولكثرة ما كان نزل فيها وفي ال الله عليهم السلام اقتضى الامر ان تعدّ لجمع الايات وتفاسيرها مجلّدات، وكان ذلك، حتّى كتب تحت عنوان (ما نزل من القران في عليّ) عددٌ من المؤلّفات، منها: لابي نُعَيمِ الاصفهانيّ، ولابن اورمة، وللثقفيّ الكوفي، وابن الماهيار، وابن ابي الثلج البغداديّ، والمجاشعيّ، وابي الفرج الاصفهانيّ. وفي ضمن ذلك ما اشتركت فاطمة الزهراء عليها السلام في تلك الايات، حيث شملتها واهل بيتها، امّا تحت عنوان (ما نزل من القران في الخمسة) في خمسة اهل الكساء: محمّدٍ وعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم، فقد كتب عبدالعزيز الجلوديّ مجلّدا في ذلك، وكتب الحسين بن الحكم الحَبري كتابا سمّاه بـ (ما نزل من القران في اهل البيت)، كذا تحت عنوان (تفسير ما نزل من القران في النّبي واهل بيته) الّف محمّد بن العباس مجلّدا كاملا. ومن هذا يعلم – ايها الاخوة الاكارم – كثرة فضائل اهل البيت عليهم السلام وعظمتها، ما جعل كتاب الله تعالى يثبّتها في اياته ويصدع بها على المسامع اناء اللّيل واطراف النهار على مدى الدهر.
اخوتنا الاعزّة... في لقائنا السابق تطرّقنا الى قوله تعالى: "ولا تقتلوا انفسكم، انَّ الله كان بكم رحيما"(سورة النساء: الاية التاسعة والعشرون)، وتعرّفنا على راي المفسّرين انّ الاية المباركة ناظرةٌ الى وجوب حفظ النّفس والنهي عن قتلها، وهي النّفس المحترمة التي لا يجوز التعرّض لها بالقتل.
ثمّ راينا توسُّع فهم بعض المفسّرين في معنى النّفس، هل هي – هنا – نفس الانسان التي يجب عليه حفظها ولا يجوز له قتلها بالانتحار... ام هي نفس الغير من المجتمع، لذا عبّرت الاية بصيغة الجمع، فلم تقل: ولا تقتل نفسك، بل قالت: "ولا تقتلوا انفسكم" وهوخطابٌ للجماعة المؤمنة المسلمة، اي لا يقتل بعضكم بعضا، حتّى جاء في اخريات وصايا اميرالمؤمنين عليٍّ عليه السلام وهو على فراش الشهادة ان قال: "يا بني عبد المطّلب، لا الفينّكم تخوضون دماءَ المسلمين خوضا، تقولون: قتل اميرالمؤمنين. الا لا تقتلنَّ بي الّا قاتلي".
نعم، وبذلك تحفظ النفوس البريئة، ويمنع القتل الطائش ويثبت الامن والامان والاطمئنان في قلوب الناس، بالانتهاء عن قتل الانفس... باعتبار انّ الامّة نفسٌ واحدة، فمن تجرّا على قتل البرئ منها كانّه تجرّا على جميع الانفس وهدّدها... ومن قبلُ كان ذاك في شرع الله جلّ وعلا، حيث قال في محكم تنزيله الحكيم بعد عرضه لقصة قتل قابيل لاخيه هابيل:
"من اجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل انّه من قتل نفسا بغير نفسٍ او فسادٍ في الارض فكانّما قتل الناس جميعا"(سورة المائدة: الاية الثانية والثلاثون)
سُئل الامام الباقر عليه السلام عن هذه الاية فقال: "له (اي للقاتل) في النار مقعدٌ، لوقتل الناس جميعا لم يزد على ذلك العذاب".
امّا الاعمق من كلّ تلك التفاسير، فهوالنهي عن قتل اهل البيت عليهم السلام كما روى ابن المغازليّ الشافعيّ في (مناقب عليٍّ عليه السلام)، والحاكم الحسكانيُ الحنفيّ في (شواهد التنزيل) – كلاهما عن عبدالله بن عبّاسٍ في بيانٍ له في ظلّ قوله تعالى: "ولا تقتلوا انفسكم" لانّ قتل اولياء الله، خلفاء رسول الله، هو قتلٌ للامّة وهلاك عظيمٌ للقاتلين...والان قد يتساءل احدنا: هل شملت الاية المباركة مولاتنا فاطمة الزهراء عليها السلام؟ اوبتعبيرٍ اخر: هل كان لها نصيبٌ من الشهادة مع اهل البيت عليهم السلام؟ نعم... هذا ما ثبّتته المصادر الوثيقة معرّفةً بها انّها شهيدة، من ذلك: الكافي للكلينيّ – في باب مولد الزهراء عليها السلام، وشرح الكافي للمولى محمّد صالح المازندرانيّ، ومراة العقول للشيخ المجلسيّ، والمزار للشيخ المفيد، وكامل الزيارات لابن قُولَويه، والاحتجاج للطبرسيّ، والفضائل لابن شاذان، وكتابا: الامالي ومن لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق، وتهذيب الاحكام للشيخ الطوسيّ، والاقبال للسيد ابن طاووس وكذا مصباح الزائر، والقاب الرسول وعترته، وقد عدّ البعض فيما رُوي من كون فاطمة الزهراء عليها السلام مضت الى ربّها شهيدة، اكثر من ثلاثين مصدرا في عشرات المواقع، مدعومةً بالنصوص المسندة الصحيحة، كان منها كتاب (فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والحسنين) (ج۲ ص ۳٦) للعالم الشافعيّ الشيخ ابراهيم بن محمّد الجُوينيّ، باسناده عن سعيد بن جُبير، عن ابن عبّاس، عن النّبي الاكرم صلّى الله عليه واله وسلّم في حديثٍ طويلٍ يقول في اخره في ابنته الصدّيقة فاطمة سلام الله عليها: "فتقدم عليَّ محزونةً مكروبة، مغمومةً مغصوبة، مقتولة".
*******