مستمعينا الأفاضل في كلّ مكان !
سلام من الله عليكم ورحمة منه وبركات ، وكلّ المراحب بكم في هذا اللقاء الذي يتجدّد معكم بين رحاب نهج البلاغـة عبر برنامجكم علي خطي النهج وكلّنا أمل في أن تقضوا معنا أطيب الأوقات وأحلاها عند قطوف أخري من رياض الأدب والبلاغة في هذه الحلقة التي سنخصّصها لاستعراض مظاهر توظيف الكناية وروعة هذا التوظيف في نهج البلاغة بعد أن تحدّثنا في الحلقة الماضية عن المجاز ، كونوا معنا ....
أحبّتنا المستمعين !
(الكناية) من (كَنَيْتُ) أو (كنَوْتُ) بالشيء عن شيء آخر، إذا تركنا التصريح به. وهي في اللّغة: التكلّم بما يُراد به خلاف الظاهر . والكناية في الاصطلاح البلاغي : لفظ أريد به غير معناه الموضوع له ، مع إمكان إرادة المعنى الحقيقي ، لعدم وجود قرينة تدلّ على خلافه. وهذا هو في الحقيقة الفرقُ بين المجاز والكناية ، ففي الأول لا يمكن ارادة الحقيقي لنصب القرينة المضادّة له ، بخلاف الثاني . ومثال الكناية: القول المعروف (فلانٌ كثيرُ الرماد) نريد أنه كريم، للتلازم في الغالبِ بين الكرم وبين كثرة الضيوف الملازِمة بدورها لكثرة الرماد من الطبخ .
مستمعينا الأحبّة !
ونظراً إلي أنّ الكناية تعدّ من الأساليب البلاغيّة الدالّة علي فصاحة قائلها وبلاغته ، ونظراً إلي أنّها تفوق التصريح بالمعني من حيث التأثير وإيصال المعني والمفهوم ، فقد ورد استخدامها علي نطاق واسع في نهج البلاغة ، ومن ذلك استخدام أمير المؤمنين عليه السلام لأسلوب الكناية وعدم التصريح المباشر في الإشارة إلي هديّة أتي له بها زائر طرقه ليلاً ، وذلك في قوله في الخطبة الخامسة عشرة بعد المائتين :
" وأعجبُ من ذلك طارقٌ طرقنا بملفوفةٍ فى وعائها .
فنحن نلاحظ هنا أنّ التعبير اكتسب المزيد من الجماليّة والتأثير حينما وصف الإمام (ع) الهديّة بهذا التعبير الرائع الملفوفة في وعائها ، وكأنّه أراد أن يدين هذا العمل الذي قام به الزائر ليلاً مضفياً عليه طابع العمل غير الشرعيّ المتمثّل في الرشوة .
وفي موضع آخر يدور حديث الإمام عليه السلام عن الخوارج والمصير الذي سيبتلون به مستخدماً في ذلك كناية هي من أجمل وأروع أنواع الكنايات ، يقول (ع) في الخطبة الثامنة والخمسين :
" مصارعُهم دون النُّطفةِ ، وذلك عندما تهيّأ وخرج لقتال الخوارج ، فقيل له إنّهم اجتازوا جسر النهروان .
يقول الشريف الرضيّ إنّ المراد من النُّطْفَة ماءُ النهر ، والنطفة هي أفصح أنواع الكناية عن الماء وإن كان غزيراً .
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
عن الكناية وبلاغتها والأغراض التي يتوخّاها المتكلّم من استخدامها بدلاً من التصريح بالمعني ، كان لنا حديث علي الهاتف مع خبيرة البرنامج: الأستاذة زينب الموسوي الناشطة الثقافية ومديرة معاهد السيدة الزهراء العالمية من لبنان نسترعي انتباهكم إليه .
الموسوي: بسم الله الرحمن الرحيم اولاً الكناية هي تعبير لايكسب منه المعنى الحقيقي وإنما يكسب معنى مجاز للمعنى الحقيقي مثلاً عندما نقول، مثل لبناني يقول "فلان نظيف اليد" كناية عن الأمانة والنزاهة وليس المقصود غسل اليدين ونظافتها من الأقذار، يعني هو أمين يديه لم تمس الحرام. مثال لآخر يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم "بسم الله الرحمن الرحيم يوم يعظ الظالم على يديه يقول ياليتني إتخذت مع الرسول سبيلاً" ليس المعنى هنا عظ اليد يعني يمسكها بأسنانه إنما المقصود بمعنى العظ هنا هو الندم الشديد على ما فرط به في حنب الله، يتحسر الانسان ويتندم لأنه لم يؤد الواجبات الدينية المفروضة عليه.
المحاورة: شكراً جزيلاً للأستاذة زينب الموسوي الناشطة القافية ومديرة معاهد السيدة الزهراء العالمية من لبنان.
أعزّتنا المستمعين !
وقال سلام الله عليه عند مشاهدته لجثمان طلحة في معركة الجمل :
" أما و اللهِ لقد كنت أكره ان تكون قريش قتلى تحت بطون الكواكب .
فعبارة تحت بطون الكواكب كناية لطيفة عن الصحاري والفيافي ، بمعني أنه عليه السلام لم يكن يرغب في أن يري جثامينَهم وقد تفرّقت علي رمال الصحاري دون ستر و دون رؤوس !
ومن الكنايات الأخري التي تستوقف الانتباه في نهج البلاغة ، قولُه عليه السلام في الخطبة الحادية عشرة بعد المائتين :
" و لا تجتمع عزيمة و وليمة .
والمراد من العزيمة هنا اكتساب الفضائل وهي الإرادة الجازمة للقيام بعمل بعد اختياره . و الوليمة معروفة وهي تقديم الطعام لمناسبة ما ولكنّها هنا كناية عن الرخاء والرفاه و الترف . وبذلك يكون قصد الإمام عليه السلام أنّ العزم علي اكتساب الفضائل والمكارم لا يتناسب ولا ينسجم مع التنعّم والترف .
ومن حكمه وكلماته القصار التي تتجسّد فيها الكناية بأجمل صورها ، قوله عليه السلام :
" من يُعطِ باليد القصيرة يُعْطَ باليد الطويلة .
ومن الواضح في هذا القول أنّ الإمام (ع) يفرّق بين نعمة العبد وبين نعمة الله ؛ فعبّر عن النعمة التي ينعم بها العبد بـ اليد القصيرة وعن نعم الله تعالي بـ اليد الطويلة لأنّ نعم الله الذي هو مصدر الإنعام في الوجود لا يمكن أن تقاس مع نعم العباد ، وبناء علي ذلك فإنّ اليد الطويلة كناية عن النعمة الغزيرة والعطاء غير المنقطع ، و اليد القصيرة كناية عن العطاء القليل والنزر اليسير من الإنعام .
المحاورة: أيها الأفاضل نسترعي إنتباهكم الى الحديث الذي أدلت به خبيرة البرنامج على الهاتف الأستاذة زينب الموسوي والذي إستعرضت لنا فيه نماذج وأمثلة اخرى من الاستخدامات الكنائية ذات الطابع الأدبي والبلاغي في كلام امير المؤمنين عليه السلام، نستمع معاً
الموسوي: الامام امير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام يعرف هو بأمير البلاغة وأمير الفصاحة عليه السلام، أمثلة من أقوال امير المؤمنين التي توجد فيها كناية مثلاً عندما يتحدث عن الانسان يقول "بلاء الانسان من اللسان" كناية عن أن أساس اللسان الذي تجلب له البلاء ولايقصد اللسان هذا العضو الذي يتكلم به الانسان وإنما كلام اللسان الذي يجلب للإنسان الحسرة والندامة. ايضاً حديث آخر لأمير المؤمنين عليه السلام عندما يقول "جليس السوء الشيطان" او انسان عندما يجالس انسان سيء الأخلاق او سيء اللسان فإنه ليس بحد ذاته هو الشيطان بل يقود الانسان الى أفعال شيطانية وهذا كناية عن الشيطان. ايضاً عندما يقول امير المؤمنين عليه السلام "خليل المرء دليل عقله" كناية عن أن رفيق المرء يكون مقارباً لعقله وتفكيره فكل انسان يرافق ما يشابه تفكيره. ايضاً حديث آخر عن امير المؤمنين عليه السلام عندما يقول "السعيد من اتعظ بغيره" أي أن الانسان السعيد هو الذي يرى وينظر من الاخرين ويأخذ العبرة ويستفيد منها.
المحاور: نعم مستميعنا الأفاضل وبهذا الحديث الذي أدلت به خبيرة البرنامج على الهاتف مشكورة نصل وإياكم الى ختام جولتنا لهذا الأسبوع بين ربوع نهج البلاغة عبر برنامجكم على خطى النهج.
مستمعينا الأطايب !
بهذا الحديث الذي أدلي به خبير البرنامج علي الهاتف مشكوراً ، نصل بكم إلي ختام جولتنا لهذا الأسبوع بين ربوع نهج البلاغة عبر برنامجكم علي خطي النهج ، نشكر لكم طيب المتابعة متمنّين عليكم أن تكونوا في انتظارنا في لقائنا للأسبوع المقبل الذي سنواصل فيه الحديث بإذن الله عن المجاز والكناية في نهج البلاغة ، في أمان الله .