نواصل حديثنا عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الخاص بعد زيارة الجامعة، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه وانتهينا من ذلك الى مقطع ورد فيه هذا التوسل (واسألك يا رب توبة نصوحاً ترضاها)، ثم يقول (ونية تحمدها وعملاً صالحاً تقبله وان تغفر لي وترحمني اذا توفيتني).
ان هذا المقطع يتضمن التوسل بالله تعالى بان يوفق قارئ الدعاء الى ان يتوب توبة نصوحاً وقد حدثناك عن التوبة في لقاء سابق، اما الآن نحدثك عن الموضوعات الواردة في المقطع بعد التوبة واولها الموضوع القائل ونية تحمدها وهذا يعني ان النية المحمودة هي الموضوع الذي سنحدثك عنه الآن وهذا ما نبدأ به هذه الحلقة.
ان موضوع النية يعد في مقدمة ما نمارسه من الاعمال وعليه تترتب الاثار العبادية سواء أكانت الاعمال العبادية مرتبطة بالشعائر كالصلاة والصوم وما شابه ذلك او مرتبطة بالاعمال العامة أي مطلق السلوك الصادر عن الشخصية سواء أكان فكرياً او حركياً ونحو ذلك، والسؤال المهم الآن هو ما المقصود اساساً بالنية؟
الجواب هو: ان النية تعني ما يهدف اليه الانسان من نشاط بمعنى ما يضمره في نفسه من القيام بهذا العمل او ذاك، فالصلاة مثلاً وهي عمل شعائري تحتاج الى نية هي ان يضمر الشخص في قلبه القيام بهذا العمل وهو الصلاة والامر ـ كما قلنا ـ لا يقتصر على الشعائر كالصلاة وغيرها بل يتجاوز مطلق الاعمال كالنوم والاكل ونحوهما لذا ورد عن النبي(ص) انه قال ليكن لك في كل شيء نية حتى في الاكل والنوم، وهذا يتطلب منا ان نشرح لك هذه الممارسة بشيء من التفصيل.
ان النية في الاكل والنوم وسائر اعمال الانسان هي ان يقرر الشخص بان ما يقوم به من نشاط هو لاجل الله تعالى وليس لغرض آخر، فمثلاً بالنسبة الى الاكل يستحضر الشخص المعنى الاتي وهو اللهم اني اتناول هذا الطعام قربة اليك، اهدف منه الى تزويدي بطاقة استعين بها على ممارسة وظيفتي في الحياة وهي ممارسة العبادة لله تعالى بموجب قوله تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ»، مثل هذه النية يسحبها على سائر اعماله بحيث لا يقوم بعمل الا ويجعله من اجل الله تعالى سواء أكان العمل حركياً كما اشرنا او فكرياً. والسؤال الجديد هو ما المقصود بالعمل الفكري؟
العمل الفكري هو ما يمارسه الانسان من نشاط ذهني كالتفكير في عظمة الله تعالى، او التخطيط العلمي او الاجتماعي او الاقتصادي.
من هنا وردت مقولة في غاية الاهمية عن المعصومين عليهم السلام وهي الاعمال بالنيات أي بقدر ما ينويه الانسان من العمل الخير او الشرير فان الله تعالى يثيب او يعاقب او يعفو تبعاً لنية الانسان الخيرة او الشريرة او المحايدة، هنا لا مناص من الاشارة الى موضوع يرتبط بالنية وما يترتب عليها وهو اذا نوى الشخص عملاً خيراً ولم يوفق الى مارسته فان الله تعالى يكتب له ثوابه واما اذا نوى الشر ولم يعمله فلا يترتب العقاب عليه وهذا احد معطيات الله تعالى.
ختاماً نسأل الله تعالى ان يوفقنا الى النية الصالحة وان يوفقنا الى ممارسة عملنا العبادي بنحو عام والتصاعد به الى النحو المطلوب.
*******