نواصل حديثنا عن الادعية المباركة ومنها الدعاء المقروء بعد زيارة الجامعة للائمة عليهم السلام وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، وانتهينا من ذلك الى مقطع يتوسل بالله تعالى بان يوفقه لموالاة الائمة عليهم السلام وطاعتهم الى ان يقول:(واسألك يا رب ان تقبل ذلك مني، وتحبب الي عبادتك، والمواظبة عليها، وتنشطني لها، وتبغض الي معاصيك ومحارمك وتدفعني عنها)، والتعامل مع الله تعالى فيقول اولاً متوسلاً بالله تعالى (وتحبب الي عبادتك) ان هذه العبارة على الرغم من وضوحها تحتاج الى مزيد من الانارة فنقول: نحن الان مع مفهوم (العبادة) اولاً ثم تحببها للنفس فاما العبادة بمعناها العام هي ممارسة الطاعة أي الالتزام بما امر به الاسلام في مختلف انماط السلوك فالصلاة والصيام والحج الى اخره هي عبادة والعلم هو عبادة والتجارة او مطلق العمل عبادة وحتى النوم او الاكل ونحوهما عبادة بل التفكير هو عبادة.
طبيعياً العبادة بمعناها العام تشمل الظواهر الحركية كالصلاة والظواهر الاجتماعية كمساعدة الاخرين والظواهر الفكرية كالذكر والظواهر الوجدانية كالتواصل مع الله تعالى والمعايشة مع الله في المستويات جميعاً.
هذا من جانب ولكن من جانب آخر ينبغي التذكير بجملة ملاحظات، من البين ان العمل الحركي او العبادة الحركية يظل بعض منها مقترناً بجهد جسدي كالصلاة في واجبها ومندوبها والحج ونحوه وبعضها الاخر يتطلب تفاعلاً وجدانياً وفكرياً.
والسؤال هو أي الموضوعين اشد على الشخصية؟
والجواب: ان البعض من السلوك العبادي يتناسب مع الوعي الثقافي لصاحب السلوك فالعارف مثلاً قد لا يغفل لحظة عن الله تعالى، ولكن العكس منه كغالبية الناس قد لا يتواصلون لحظة مع الله تعالى حتى في الصلاة، هذا جانب ومن جانب آخر، ان الوضع الشخصي صحياً ينعكس على اقباله وادباره في الاعمال، ومع هذه الملاحظة فان العنصر المشترك بين الجميع ليس هو الفارقية التي اوضحناها بل النسبية وهي متمثلة (فيما طالب به الدعاء) في ان تكون الاعمال العبادية مقترنة بحب الشخصية لها، ولذلك وردت عبارة الدعاء بهذا المعنى وان تحبب عبادتك الي، أي ان تكون ممارسة الطاعة امراً مقترناً بمحبتها قلبياً وليس الاكراه في ذلك ومن الطبيعي ان الغالبية من الناس لا يتوفر لديها هذا الميل بقدر ما تشعر بان لها وظيفة يفترض على الشخصية تقبلها كالموظف العلماني مثلاً.
لكن هل هذا هو المطلوب؟ كلا بل ان تقترن العبادة بالحب، وهذا ما توسل به الدعاء حتى تنجح الشخصية في سلوكها العبادي المطلوب.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى الطاعة وان نتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******