البث المباشر

شرح فقرة (وسرح قطع الليل المظلم بغياهب تلجلجه)

الأربعاء 7 أغسطس 2019 - 11:03 بتوقيت طهران
شرح فقرة (وسرح قطع الليل المظلم بغياهب تلجلجه)

إذاعة طهران - ينابيع الرحمة: شرح فقرة: " وسرح قطع الليل المظلم بغياهب تلجلجه " من دعاء الصباح.

 

نواصل حديثنا عن الادعية المباركة وما تتضمنه من اسرار البلاغة ونكاتها المتنوعة، وفي مقدمة ذلك صورها التنبيهية والاستعارية والرمزية ونحوها وهذا ما نجده ملحوظاً في احد ادعية الامام علي(ع) وهو دعاء الصباح حيث حدثناكم عن العبارة الافتتاحية للدعاء المذكور وهي الفقرة القائلة: (يا من دلع لسان الصباح بنطق تبلجه)، حيث اوضحنا اهمية هذه العبارة الاستعارية ووظيفتها المتمثلة في تذكير قارئ الدعاء بعظمة الله تعالى في احد ابداعاته وهو الصباح وفي تذكيره بوظيفة العبد حيال الله تعالى من خلال ملاحظته ليوم جديد من عمره حيث يبدأ اليوم لينتهي في نهاية المطاف الى فناء العمر، وهذا ما يجعله مستثمراً لايام عمره.
المهم: نواصل الان سائر فقرات الدعاء بحسب تسلسله حيث بدأ بقول الامام(ع) (اللهم يا من دلع لسان الصباح بنطق تبلجه) ثم اردفه بقوله(ع) (وسرح بقطع الليل المظلم بغياهب تلجلجله) فماذا نستخلص من ذلك؟
من الواضح ان الليل والنهار هما آيتان من آيات الله تعالى أي هما ظاهرتان ابداعيتان لا تختلفان عن الظواهر الاخرى من حيث خضوعهما لقدرات الله تعالى ... لكن الملاحظ ان استخدام الليل والنهار يجيء في سياقات متنوعة فحيناً يجيء الليل والنهار مجرد تذكير بآيات الله تعالى كما نلاحظ ذلك مثلاً عبر قوله تعالى (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل...)، ويجيء الاستخدام تارة اخرى في سياق طبيعتهما الوظيفية حيث يضطلع الليل بمهمة تختلف عن مهمة النهار، مثل قوله تعالى: (وجعلنا الليل لباساً)(وجلعنا النهار معاشاً) الى غير ذلك من النصوص التي توضح بان النهار مثلاً، هو للعمل والليل هو للراحة.
ويجيء الاستخدام في سياق ثالث رمزين احدهما يجسد ما هو ايجابي (وهو النهار) والآخر ما هو سلبي (وهو الليل) مثل قوله تعالى: (كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلماً)...
ويجيء الاستخدام في سياق رابع بمثابة صياغة جمالية ودلالية تتحدث عن كيفية طلوع النهار وكيفية زوال الليل، وهذا ما نلحظه الان في سياق الحديث عن مجيء الصباح وادبار النهار، وهذا ايضاً يذكرنا بنصوصن دعائية تقول: (سبحان الله على ادبار الليل واقبال النهار)...
اذن: نحن الان مع المقطع الذي يتحدث عن ادبار الليل ... فماذا نجد؟
لقد حدثنا الدعاء عن اقبال النهار من خلال العبارة الاستعارية (يا من دلع لسان الصباح بنطق تبلجه)، وها هو يحدثنا عن ادبار الليل في نفس الزمان الذي يحدث فيه اقبال النهار... كيف ذلك؟
واضح ان الصبح عندما يتنفس وكما جاء في القرآن الكريم او ان الصبح حيناً يظهر لسانه ناطقاً بالاشراق او بطلوع الضوء كما جاء في الدعاء، حينئذ فان اقبال النهار وادبار الليل يتعاصران أي يتزامنان في آن واحد فكلما ظهر خيط من الصباح ذهب خيط من الظلام وهكذا أي كما ان الصبح يظهر تدريجياً كذلك الظلام يختفي تدريجياً ولكن الدعاء استعار لمجيء النهار اللسان الذي دلع بنطق الضوء، واستعار لذهاب الليل تسريح قطعه المظلمة على نحو التردد أي ان قطع الليل وهي قطع الظلام الذي يختفي تدريجياً استعار له ظاهرة التردد أي التلكؤ في الذهاب فيكون التلكؤ رمزاً لعملية اختفاء الظلام تدريجياً على عكس اقبال النهار تدريجياً ايضاً ولكن مجيء النهار تدريجياً جاء بالنور، في حين ان ادبار الليل تدريجياً جاء قطعاً قطعاً تتردد في عملية اختفائها وهذا ما يتناسب مع ظاهرة الظلام مقابل النور..
اذن: جاءت الاستعارة لادبار الليل متناسبة مع ظاهرة الظلام بينما جاءت الاستعارة لاقبال النهار متناسبة مع ظاهرة النور بالنحو الذي اوضحناه...
والمهم هو: ان قارئ الدعاء عليه ان يستثمر هذا الجانب وان يستحضر من خلال الاقبال والادبار للنهار والليل ما ينبغي ان يوظفه في ممارساته العبادية وذلك بتدريب ذاته على الطاعة وعدم ضياع عمره فيما لا غناء فيه ومن ثم التصاعد بعمله العبادي الى النحو المطلوب.

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة