لازلنا نحدثك عن الأدعية المباركة، ومنها دعاء الزهراء (عليها السلام) الوارد في تعقيبات الصلاة، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن احد مقاطعه الذي ورد فيه: (وهون علي ما خشيت شدته، واكشف عني ما خشيت كربته، ويسر لي ما خشيت عسرته آمين رب العالمين).
هذا المقطع من الدعاء امتداد لمقاطع سابقة تتحدث بهذه الاساليب من التوجه الي الله تعالي، وبهذه الدلالات ايضاً حتي انه ترد فقرة وهي: (يسر لي ما خفت عسرته) في المقطع الذي لاحظناه الآن، حيث يتداعي بذهننا الي مقطع سابق يتضمن الدلالة ذاتها وهو (وما خفت عسرته من الامور فيسره)، حيث ان الفارق بين هاتين العبارتين هو: تقديم طلب اليسر علي الشدة في العبارة الحالية اما الواردة في المقطع الاسبق علي عكس ذلك حيث وردت هكذا (وما خفت عسرته فيسره). لكن نلفت نظر قاريء الدعاء الي انه بالرغم من التماثل التام بين الدلالتين الاان للتقديم والتأخير له نكتته البلاغية وهذا مما يضفي علي كلام الزهراء (عليها السلام) مزيداً من الأهمية. كيف ذلك؟
مما لا ترديد فيه ان حالات الانسان تتفاوت من حين الي آخر، فقد يتحدث وهو غارق في الشدة، وقد يتحدث وهو آمل في التفريج عنها، وقد يتحدث وهو متأرجح بين الحالتين وفي تصورنا ان الزهراء (عليها السلام) حينما حدثنا في المقطع الاسبق بقولها:(وما خفت عسرته فيسره) انما عبرت عن حالة القارئ وهو غارق في شدة يعاني منها، ولذلك لا يهمه الا تقديم حالته المقترنة بالشدة، وبالعكس حينما تتضاءل الشدة وتقترن في المستقبل بالخوف منها عندئذ تنعكس العبارة فتقول: (وهون علي ما اخاف شدته) وهو تعبير عن حالة ثانية لقارئ الدعاء، صاغته الزهراء (عليها السلام) بهذا النمط لكن يتضمن الدعاء مختلف حالات قارئه: كما اوضحناه.
ونتجه الي العبارتين الآخريين في المقطع الجديد لنلاحظ الي حد ما تماثلاً ايضاً بين فقرات سابقة وردت بنفس الصياغة ولنقرأ: (وهون علي ما خشيت شدته، واكشف عني ما خشيت كربته). تري ما هو الفارق بين الشدة وبين الكربة؟
الجواب: الشدة هي مصطلح عام وشامل ومطلق، اي: قد تكون الشدة حادة او متوسطة أو خفيفة بينما الكرب هو احد انماط الشدة، مقابل (الغم) و (الهم) وقد يتمثل من شدة كبيرة كشدائد الانبياء (عليهم السلام) حيال مجتماعتهم، حيث تشير النصوص القرانية الكريمة الي هذه الدلالة حينما تخاطب كل نبي بالعبارة الآتية: «وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ» والمهم هو: ان الكرب يرتبط غالباً بالشدة المقترنة مع ثقل القيد مثل كرب ايوب (عليه السلام) حيث ثقل عليه المرض الي درجة ان الاخرين انفضوا من حوله، بينما مصطلح (الشدة) و (العسرة) يتفاوتان عن الكرب بان الشدة كما اشرنا هي مطلق ما يعانيه الانسان من الاذي، بمعني أنّ العسر هو: حالة خاصة تنصل بصعوبة الحل، ولذلك يرد التعبير عنها (يسر لي)، اي: تيسير الصعوبة المذكورة، بينما عبارة الشدة (كما كررنا) تعني مطلق المعاناة حيث جاءت عبارة (هون) متجانسة مع مطلق الانفراج عند الشدة بغض النظر عن درجة ذلك.
بعد ذلك نواجه مقطعاً جديداً ولكنه لا يتحدث عن الشدائد بل عن الحالات النفسية مثل: التكبر، والعجب، والحسد (مما سنحدثك عن ذلك لاحقاً ان شاء الله تعالي).
*******