البث المباشر

شرح فقرة: "وصبرني على ذلك حتى لا أحب تعجيل ما أخرت،..."

الإثنين 29 يوليو 2019 - 15:51 بتوقيت طهران

إذاعة طهران - ينابيع الرحمة: شرح فقرة: " وصبرني على ذلك حتى لا أحب تعجيل ما أخرت " من أدعية الإمام المهدي عليه السلام.

 

السلام عليكم إخوة الإيمان ورحمة الله، معكم في لقاءٍ آخر نستنيرُ فيه بأنوار الهداية الإلهية والتقرب من الله عزوجل عبر التدبر بأدعية سادة محبيه الصادقين محمد وآله الطاهرين وتحياته عليهم أجمعين.
إستنارتنا في هذه الحلقة ستكون بعون الله من الفقرة التالية التي وصلنا إليها من دعاء المعرفة الجليل المروي عن إمام زماننا الحجة المهدي، والذي أمرنا (أرواحنا فداه) بالمواضبة عليه في عصر الغيبة خاصة في عصر أيام الجمعات.
والفقرة المشار إليها هي التي يتوجَّه الداعي إلى ربه تبارك وتعالى قائلاً: (اللهم ... وصبِّرني على ذلك، حتى لا أحبَّ تعجيل ما أخَّرت ولا تأخير ما عجَّلت ولا أكشفَ عمّا سترتَ ولا أبحث عمّا كتمتَ، ولا أنازعكّ في تدبيرك، ولا أقول لم، وكيف، وما بال وليِّ الأمر لا يظهر وقد امتلأت الأرضُ من الجور وَأُفَوِّضُ أَمْرِي كلها إليك، ...).
ترتبط هذه الطلبات بالطلبات الواردة في الفقرة السابقة لفقرة هذه الحلقة من هذا الدعاء المهدوي الجليل، ففي الفقرة السابقة طلب الداعي من ربه عزوجل الثبات على طاعة ولي أمره الحجة المهدي خصوصاً في غيبته (عجل الله فرجه)؛ وقد اشتملت تلك الفقرة على تنبيهاتٍ تـُعينُ المؤمن على الثبات على الدين الحق في عصر الغيبة، هذه التنبيهات تـُنيرُ عقل المؤمن بإدراك حقيقتين عقائدتين مهمتين:
الأولى: إنّ أصل غيبة بقية الله المهدي هي بأمر الله جل جلاله وبإذنه لحكمةٍ اقتضتها لكي يتمكن الإمام من خلف ستار الغيبة من حفظ الدين الحق والتمهيد لظهوره (عجل الله فرجه). 
والحقيقة الثانية: هي أنّ الإمام ينتظر إذن الله بالظهور فهو (عليه السلام) مستعدٌ للظهور، وظهوره يكون في الوقت الذي يعلمه الله وحده ويعلم أن فيه صلاح أمره بتهيؤِ الأوضاع اللازمة لنجاح حركته الإصلاحية الكبرى واستعداد البشرية لجني ثمارها الطيبة المباركة. 
وبعد هذه الإثارة لعقل المؤمن تأتي هذه الفقرة من الدعاء لكي تعلم المؤمن أن يطلب من الله عزوجل الإنارة القلبية، فيصير بعقله وقلبه وكلّ كيانه منتظراً كمولاه الإمام للأمر الإلهي بالظهور، مُسلماً لأمر الله ووليه تسليماً. 
في بداية الفقرة يقول الداعي: وصبِّرني على ذلك، أي الثبات على الدين الحق وطاعة إمام العصر والتمسك بولايته (سلام الله عليه) وهذا الصبر يكون فاعلاً وراسخاً إذا اقترنت المعرفة والإنارة العقلية بالإنارة القلبية أي استقرت المعرفة في القلب وأضفت عليه السكينة وعميق الثقة بتدبير الله عزوجل فينسجم المؤمن بالكامل مع إرادة ربه الحكيم تبارك وتعالى. وهذه الحالة العالية من السكينة القلبية والطمأنينة والثقة بالله تعرفنا العبارات التالية بمظاهرها وعلائم وجودها في قلب الإنسان، وأوَّلـُها هي الواردة في قلب الداعي: (حتى لا أحبَّ تعجيل ما أخَّرت ولا تأخير ما عَجَّلت).
إذن العلامة الأولى: هي أنّ المؤمن يُصبحُ مُحباً لما يريده الهل عزوجل، هو يدعو الله بتعجيل فرج الإمام وظهوره (عجل الله فرجه)، لكنه يُحبُّ التعجيل فيه إذا شاء الله ذلك، ويُحبُّ تأخيره إذا شاء الله ذلك، أي أنّ تفاعله القلبي مع ظهور مولاه المهدي (أرواحنا فداه) يكون تبعاً لحكمة الله عزوجل وحسن تدبيره. 
أما العلامة الثانية: مستمعينا الأفاضل، فهي المشار إليها في قول الداعي: (ولا أكشف عمّا سترتَ ولا أبحث عمّا كتمتَ). العلامة الأولى هي في دائرة القلب والمشاعر والعواطف، أما هذه العلامة فهي في دائرة السلوك والعمل، وهي تعني التزام المؤمن بعدم الكشف عمّا ستره الله وعدم البحث عمّا كتمه عزوجل، وعندما نرجع إلى وصف الفقرة السابقة لولي الأمر بأنه (الذي ستره الله عن خلقه)، نعلم بأنّ المراد هو إلتزام المؤمن بعدم الكشف عن الأمور التي تؤدي إلى تعريض إمام زماننا )أرواحنا فداه) إلى الأخطار سواءٌ من جهة أعدائه المتربصين به، أو من غيرهم الذين يَضُرُّونَ بتحركه خلف ستار الغيبة من حيث لا يشعرون. أما بالنسبة لالتزام المؤمن بعدم البحث عمّا كتمه الله فهو يعني عدم بحثه عن الأسرار التي يخشى من عدم قدرته على حفظها ولذلك كتمها الله عنه رأفة ورحمة به.
مستمعينا الأعزاء أما الآن فننتقل إلى العلامة الثالثة: وهي المشار إليها بقول الداعي: (ولا أنازعك في تدبيرك) وهذه العلامة أيضاً في دائرة السلوك العمليِّ، والمراد منها الإلتزام بعدم القيام بما من شأنه التحرك باتجاهٍ معاكسٍ للتدبير الإلهي لشؤون عباده في عصر الغيبة، نظير القيام بتحركاتٍ قبل نضوج العوامل والأوضاع اللازمة لنجاحها؛ وهذا بالطبع خلاف الحكمة الإلهية. 
والعلامة الرابعة: أيها الإخوة والأخوات هي المشار إليها في قول الداعي: (ولا أقول لم، وكيف، وما بال وليِّ الأمر لا يظهر وقد امتلأت الأرض من الجور)، وواضحٌ أنّ المراد هوعدم الإعتراض القولي فضلاً عن القلبي على حكمة الله عزوجل في أصل وقوع غيبة مولانا المهدي (أرواحنا فداه) وكذلك في طولها، إذ أنّ الأعتراض على تدبير الله عزوجلَّ يكشف عن فقدان الإيمان القلبي بحكمته ورأفته، وعدم ثقة الإنسان بحسن تدبيره وجميل صنعه بعباده، أعاذنا الله وإياكم من ذلك.
مستمعينا الافاضل، وتبقي العلامة الخامسة: المحورية لصدق الإيمان القلبي بالله عزوجل وهي المشار إليها بقول الداعي:(وَأُفَوِّضُ أَمْرِي كلها إليك)، وهذه العلامة ستكون بإذن الله محور حديثنا في الحلقة المقبلة من برنامجكم (ينابيع الرحمة)، تقبل الله منكم جميل الإصغاء وحسن المتابعة ودمتم بكل خير.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة