البث المباشر

شرح فقرة: "لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الحليم الكريم، ..."

الإثنين 29 يوليو 2019 - 08:11 بتوقيت طهران

لانزال نتحدث عن الادعية المباركة ومنها: دعاء الامام المهدي (عليه السلام) الخاص بقراءته بعد زيارة الامام الحسين (عليه السلام) المعروفة باسم زيارة الناحية المقدسة حيث يبدأ على هذا النحو: (لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الحليم الكريم، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رب السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ والارضين السبع، وما فيهن وما بينهن، خلافاً لاعدائه، وتكذيباً لمن عدل به، واقراراً لربوبيته، وخضوعاً لعزته، ...).
هذا هو المقطع الاول من دعاء الامام المهدي (عليه السلام) الخاص بقراءته في زيارة الناحية يوم عاشوراء، وهو استهلال بالاشارة الى وحدانية الله تعالى، وابداعه تعالى للوجود المتمثل فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وما فيهن وما بينهن، حيث يدع هذا الاستهلال قارئ الدعاء متداعياً بذهنه الى ان وجودنا وسائر الوجود هو: بفاعلية منه وحده لا شريك له في ذلك، بالاضافة الى ان الاستهلال المذكور مسبوق باربع صفات هي: (الْحَلِيمُ)، (الْكَرِيمُ)، (الْعَلِيُّ)، (الْعَظِيمُ)، وهي صفات تحمل قارئ الدعاء الى ان يتساءل عن السر الكامن وراء انتخابه (عليه السلام) لهذه السمات، هذا فيما يتصل باستهلال المقطع واما ما يتصل بختامه، فنلاحظ تعقيبه (عليه السلام) على ابداعه بعبارات مثل: (خلافاً لاعدائه، وتكذيباً لمن عدل به، واقراراً لربوبيته، وخضوعاً لعزته، …)، هنا نلفت نظرك الى ان هذه العبارات (وهي اربع أيضاً) جاءت وفق عبارة دلالية، يحسن بنا ان نحدثك عنها وعن سائر ما يرتبط بالموضوع.
السؤال الاول هو: ماذا نستخلص من الافتتاح المتضمن اربع صفات هي: الْحَلِيمُ، الْكَرِيمُ، الْعَلِيُّ، الْعَظِيمُ؟
طبيعياً التوحيد او الوهيته تعالى المتفرد بها هي: الزاوية الدلالية الاولى في النص، ولذلك بدأ الدعاء بعبارة: (لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الحليم الكريم)، ثم بالتكرار لعبارة: لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ في جملة: (لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)، ثم عبارة: (لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رب السَّمَاوَاتِ الخ).
اذن التكرار يدلنا على اولوية مفهوم التوحيد ولكن ماذا بعد ذلك؟
بعد ذلك تجئ عبارة: (الحليم الكريم)، ثم (الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) حيث ان هذه الصفات الاربع قسمت الى شطرين كل شطر مسبوق بعبارة: (لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ)، فما هو سر ذلك؟
لنتحدث اولاً عن دلالة السمات المذكورة، فماذا نستلهم منها؟
بالنسبة الى عبارة: (الْحَلِيمُ) جاءت متقدمة على سائر الصفات وهو امر يدعو الى التساؤل، ويمكن الاجابة على ذلك بان (الحلم) هو الصبر والاناة والصفح، يظل من ابرز مصاديق الرحمة، حيث انه تعالى يعطي الفرصة لعباده بالتوبة وتعديل السلوك حتى يرحل العبد وهو نقي من الذنوب وهذا هو منتهى الرحمة: كما هو واضح.
السمة الثانية هي: (الْكَرِيمُ)، فماذا نستلهم منها؟
الكرم يأتي مرة بمعنى: الطيب، واخرى بمعنى: الجود، وثالثة بمعنى: الصفح، ولكن السياق يدلنا على امكانية الصفات او المعاني المشار اليها جميعاً حيث ان الكرم بمعنى الطيب او الجود والصفح يظل صفة عامة بالقياس الى صفة (الْحَلِيمُ) وبذلك نستخلص بانه تعالى هو في غاية ما نتصور من الرحمة الاوسع مدى، اي: الرحمة المصحوبة بالحلم، ثم بما هو اوسع منها وهي: الرحمة المصحوبة بالجود وبالخير.
بعد ذلك نواجه صفتي (الْعَلِيُّ)، (الْعَظِيمُ) المفصولتين عن سابقتهما بـ(لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ) حيث ان الفصل يوحي لنا بان الدلالة تختلف هنا عن سابقتها، لان السابقتين تتناولان (الرحمة) اما (الْعَلِيُّ) و(الْعَظِيمُ) فتتناولان (القدرة والهيمنة)، وهذا كما نحتمل يفسر لنا فصلهما عن السابقتين.
واما دلالتهما فواضحتان، حيث ان (الْعَلِيُّ) تعني: العلو، و(الْعَظِيمُ) تعني: العظمة، وكلتاهما ترتبطان بمفهوم القدرة، كما ان مجيئهما بهذا النحو: (من حيث عبارة المقطع من الدعاء) يعني: انه تعالى من خلال رحمته وقدرته، فالرحمة بالاضافة الى ما لاحظناه من العطاء تقترن بالقدرة وهذه الاخيرة اي القدرة تقترن بما ورد في الاستهلال من الاشارة الى انه تعالى: رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا.
اذن المقطع - كما لاحظنا - يكشف عن مبنى هندسي تراعي من خلال صياغته المفهومات المتقدمة بما يتلاءم وجهازنا الادراكي للمعرفة.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى معرفة توحيده، ويوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة