البث المباشر

شرح فقرة: "والجهل والمقت..." (۱)

الأحد 3 أكتوبر 2021 - 14:52 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- ينابيع الرحمة: الحلقة 51

 

بِسْمِ اللَّهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ والصلاة والسلام على ابواب رحمة الله المصطفى رسول الله وآله الهداة الى الله.

السلام عليكم اعزاءنا ورحمة الله، معكم على بركة الله في حلقة جديدة من هذا البرنامج نتابع فيها استلهام دروس الحياة الطيبة الكريمة من أحد غرر ادعية اهل بيت النبوة (عليهم السلام) وهو الدعاء المعروف بدعاء الحجب، وفي مقطعه الختامي يهدينا الهادي المختار صلوات الله عليه وآله الاطهار الى العوامل التي تحرم الانسان من الحياة الطيبة وهو يطلب من الله ان يصرفها عن جميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ قائلاً: (اللهم ... أسألك بعزة ذلك الاسم ان تصلي على محمد وآل محمد، وان تصرف عني وعن أهل حزانتي وجميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، جميع الآفات والعاهات، والاعراض والامراض، والخطايا والذنوب، والشك والشرك، والكفر والشقاق، والنفاق والضلالة، والجهل والمقت، والغضب والعسر والضيق، وفساد الضمير وحلول النقمة، وشماتة الاعداء وغلبة الرجال، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء لطيف لما تشاء ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم).

انتهى بنا الحديث في الحلقة السابقة الى عامل الجهل الذي يامرنا النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) في هذا الدعاء الشريف أن نطلب من الله عزوجل ان يصرفه عنا وان يعيننا على التطهر منه، فما هو المقصود منه وما أثره في سلب السعادة من الانسان وايقاعه في متاهات الشقاء؟

جاء في كتب اللغة ان الجهل كما في كتاب مقاييس اللغة يرجع الى اصلين احدهما خلاف العلم والآخر خلاف السكينة والطمأنينة، ويبدو أن الثاني هو نتيجة للاول بمعنى أن فقدان العلم بشيء ما يسلب الانسان الموقف المطمئن تجاهد ويوقعه في الاضطراب، وقد جاء في حكم امير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغه قوله: (الناس اعداء ما جهلوا) وقيل ان الجهالة تعني اختيار اللذة الفانية على اللذة الباقية، وهذا من اثر الجهل بحقيقة كل منهما؛ وجاء في كتاب مجمع البحرين، انه جاء في الاحاديث: (ان من العلم جهلاً)، وقيل ان ذلك فيمن يتعلم ما لا يحتاجه من العلوم ويترك ما يحتاجه من العلوم التي يحصل بها على السعادة الحقيقية كالمعارف الدينية.

وقد ذم القرآن الكريم الافكار والسلوكيات المنحرفة واعتبر ان الجهل هو منشؤها ولذلك وصفها (بالْجَاهِلِيَّةِ)، فقال في الآية ۱٥٤ من سورة آل عمران وهو يذكر طوائف الذين فروا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في معركة أحد وتزعزع ايمانهم لما رأوا هزيمة المسلمين فيها، قال عزوجل: «وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ».

وواضحٌ من هذه الآية ان من مصاديق الجهل الخطيرة ما يمكن ان يصيب المؤمنين ايضاً اذا لم ينتبهوا الى ايصال الحقائق الايمانية الى قلوبهم ولم يجتهدوا في الحصول من النصوص الشريفة والبراهين العقلية بالمعرفة الصحيحة بالله تبارك وتعالى؛ وبسننه في تدبير شؤون خلقه وتربية عبادة بالسراء والضراء والشدة والرخاء وسائر انواع الابتلاء الالهي.

وقال تبارك وتعالى في الآية ۳۳ من سورة الاحزاب وهو يأمر نساء النبي (صلى الله عليه وآله) بلزوم بيوتهن وبالعفة: «وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى، ...».

وفي ذلك اشارة الى ان عدم رعاية الاصول الاخلاقية هو من الْجَاهِلِيَّةِ فهو يرجع الى الجهل بأهمية حفظ هذه الاصول واثره في توفير الحياة الطيبة الكريمة للانسان.

ايها الافاضل، ونقرأ في اولى صفات عِبَادُ الرَّحْمَنِ الذين أثنى الله عزوجل عليهم قوله: في الآية ٦۳ من سورة الفرقان: «وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً»، وقال جل جلاله في الآية (۱۹۹) من سورة الاعراف: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ».

ففي هذه الآيات اشارة لطيفة الى أن جهل الانسان بمنازل أولياء الله عزوجل يجعله يتجرأ عليهم فيعرضون عنه حلماً وبذلك يحرم نفسه من بركات مجالستهم او يوقع نفسه في شقاء ايذائهم ومعاداتهم لان الله غيور على اوليائه وأحبائه لا يغفر لمن ارصد لهم بالاذى والمحاربة كما اشارت لذلك عدة من الاحاديث القدسية والاحاديث الشريفة.

ويقول تبارك وتعالى في الآية الرابعة والستين من آية الزمر: «قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ».

وفي ذلك اشارة الى ان الجهل يوقع صاحبه في الشرك وعبادة غير الله عزوجل، وجاء في الآية (۳۳) من سورة يوسف حكاية الله عزوجل قول هذا النبي (عليه السلام): «قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ».

والآية تصرح بان اتباع الشهوات المحرمة هو نتيجة للجهل، وكذلك الحال مع القيام بكل سلوك لا فائدة منه كما يشير لذلك قوله عزوجل في وصف طائفة من عباده الصابرين في الآيتين ٥٤ و٥٥ من سورة القصص: «أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ، وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ».

وتتضح من الآيات الكريمة المتقدمة جملة من الآثار المدمرة للجهل بالمعارف الالهية، ولذلك جعلت النصوص الشريفة الجهل ضداً للعقل وظلمة في مقابل نور العقل وعرفتنا بجنوده كما سنشير لذلك بأذن الله في الحلقة المقبلة من برنامجكم (ينابيع الرحمة)، وختاماً لكم منا أجمل الشكر على طيب الاستماع والمتابعة لهذا البرنامج الذي استمعتم له من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، دمتم بكل خير وفي أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة