البث المباشر

شرح فقرة: "والنفاق والضلالة..." (۷)

الأحد 3 أكتوبر 2021 - 17:04 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- ينابيع الرحمة: الحلقة 50

 

بِسْمِ اللَّهِ وله الحمد غاية آمال العارفين وحبيب قلوب الصادقين تبارك وتعالى أرحم الراحمين، واطيب صلواته على ابواب رحمة الخلائق أجمعين حبيبه المصطفى المبعوث رحمة للعالمين وآله الطيبين الطاهرين.

السلام عليكم أعزاءنا المستمعين، وأهلاً بكم في لقاء اليوم على المائدة المعنوية لأدعية اهل بيت الرحمة (عليهم السلام)، نقتطف منها ثمار الدروس البليغة لسبل الفوز بالفلاح والصلاح والسعادة في الدنيا والآخرة.

لازلنا نستلهم معكم هذه الدروس من المقطع الختامي من أحد أعظم هذه الأدعية المباركة وهو دعاء الحجب الشريف المروي عن سيد الرسل الهادي المختار وفيه يعلمنا (صلى الله عليه وآله الأطهار) ان نطلب من الله عزوجل ان يصرف عنا جميع العوامل التي تحرم الانسان من الحياة الطيبة الكريمة والسعادة الحقيقة حيث نقتدي به في قوله: (أسألك بعزة ذلك الاسم ان تصلي على محمد وآل محمد، وان تصرف عني وعن اهل حزانتي وجميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، جميع الآفات والعاهات، والاعراض والامراض، والخطايا والذنوب، والشك والشرك، والكفر والشقاق، والنفاق والضلالة، والجهل والمقت، والغضب والعسر والضيق وفساد الضمير وحلول النقمة وشماتة الاعداء وغلبة الرجال، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء لطيف لما تشاء ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم).

ايها الاكارم، انتهى بنا الحديث الى عامل (الضلالة) من العوامل التي تسوق الانسان الى الشقاء في الدارين، وقد عرفنا في الحلقة السابقة ان الآيات الكريمة تبين لنا أن اهم ما يوقع الانسان في الضلالة أمران الكفر والشرك والغفلة عن ذكر الله من جهة واتباع الهوى والانسياق وراء الرغبات النفسانية من جهة ثانية.

وهنا نتطرق الى حقيقة مهمة وهي أن للضلالة مراتب تناسب مراتب الشرك واتباع الهوى، وهذه تصيب حتى المؤمنين مثلما ان الشرك الخفي يصيبهم كما يشير لذلك قوله عزوجل في الآية (۱۰٦) من سورة يوسف: «وما يؤمن اكثرهم بالله وهم مشركون»، وقد ذكر العلماء ان المقصود هنا هو الشرك الخفي الذي ينبغي للمؤمنين التطهر منه لكي يكمل ايمانهم.

وهكذا الحال مع الضلالة، اذ ينبغي للمؤمنين السعي للتطهر منها في جميع مراتبها الواضحة كالكفر والشرك الصريحين والغفلة الكاملة عن ذكر الله عزوجل، والخفية ك الكفر العملي بالنعمة والغفلة عن شكر الله عليها او نسبتها لغيره عزوجل او الشرك الخفي كالثقة بغير الله من الاسباب الطبيعية والتعويل عليها على نحو الاستقلال ونظائر ذلك؛ وكذلك الحال مع ضلالة الغفلة عن ذكر الله فينبغي التطهر منها بمختلف مراتبها، كالغفلة عن الذكر اللساني والغفلة عن الذكر القلبي والغفلة عن ذكر الله عزوجل عند عروض المعاصي والذنوب على الانسان ونظائر ذلك.

والامر نفسه يصدق على اتباع الهوى الذي يوقع الانسان في الضلالة وتضييع عمره دون أن يحصل على ما يطلبه ويقصده من الكمال والسعادة، فينبغي السعي والاجتهاد في اجتناب الهوى بمختلف مراتبه سعياً للنجاة من الضلالة بمختلف مراتبها، سواءً كان اتباعاً صريحاً للأهواء اي الانسياق والخضوع لها فيما يخالف بوضوح الشرع الالهي والقيم الانسانية، او اتباعها فيما لا فائدة منه او في اتباع اهواء الطواغيت والائمة المضلين واصحاب البدع او التيارات غير المخلصة في العمل في سبيل الله والمستضعفين ونظائر ذلك.

ايها الاكارم، وبناءً على معرفة مراتب الضلالة ومصاديقها يتضح ان المنهج العام للنجاة منها، هو ان يعقد المؤمن عزمه الراسخ على أن يكون متبعاً للهدى الالهي بكل وجوده بعقله وعمله واقواله ومشاعره مجتنباً للغفلة عن ذكره في جميع أحواله مجتهداً في التحرر من عبودية الاهواء بكل مراتبها سواءً كانت اهواء نفسه هو أو أهواء غيره.

والذي يحقق ذلك هو ما هدانا اليه حبيبنا نبي الرحمة والرأفة الهادي المختار صلوات ربي عليه وآله الأطهار، حينما كرر الوصية في الاعوام الاخيرة من حياته الشريفة بالتمسك بحبل الله المتين ونهجه القويم المتمثل بثقلي هدايته للعالمين فقال في حديث الثقلين المتواتر: (اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً، وقد أنباني اللطيف الخبير انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما).

وكما تلاحظون ايها الافاضل، فان هذا الحديث النبوي المتواتر يصرح بحصر النجاة من الضلالة بالتمسك بالثقلين معاً، وهذا يعني ان التمسك باي منهما لا يتحقق ولا يحقق النجاة من الضلالة الا اذا اقترن بالثقل الثاني، فالقرآن يهدي الى التمسك بولاية اهل بيت النبوة، وهم (عليهم السلام) يهدون العباد الى اسرار القرآن وحقائقه فهم المطهرون بشهادة آية التطهير والمطهرون هم الذين يمسون القرآن المحفوظ في الكتاب المكنون كما تشير لذلك الآيات ۷٥ إلى الثمانين من سورة الواقعة.

ان المنقذ الحقيقي من الضلالة هو الهدى الالهي، والحصول عليه وعلى حقائق الدين الحق وقيمه واحكامه لا يتحقق بالصورة الكاملة الخالية من تحريفات الذين في قلوبهم زيغ والذين يتبعون ما تشابه من الآيات الكريمة ابتغاء فتنة الناس وإستعبادهم كما تشير لذلك الآية السابعة من سورة آل عمران، نقول الحصول على الدين الحق النقي من تحريفات هؤلاء المضلين لا يتحقق الا بالتمسك بالثقلين معاً كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من خلفه ولا من بين يديه، واهل بيت النبوة المعصومين وهم (عليهم السلام) الراسخون في العلم الذي اورثهم سيدهم المصطفى (صلى الله عليه وآله) ابواب مدينة علمه الالهية.

وهذه الحقيقة دلت عليها عشرات المحكمات من الآيات الكريمة والمئات من صحاح الاحاديث الشريفة المروية في المصادر الحديثية المعتبرة عند مختلف الفرق الاسلامية.

والى هنا نصل الى ختام حلقة اخرى من برنامج (ينابيع الرحمة) استمعتم لها من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، نشكر لكم ايها الاكارم كرم المتابعة ودمتم بالف خير.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة