خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم وبه تبارك وتعالى نستعين أيها الأخوة والأخوات في كل مكان السلام عليكم ونحييكم بتحية مضمخة بعطر الأدب وشذى الشعر في هذه الحلقة الجديدة التي تجمعنا معكم عبر برنامجكم الأسبوعي سير القصائد حيث الكلمة الهادفة والصورة الفنية الموحية بالقيم الانسانية الرفيعة، ندعوكم أيها الأحبة لمتابعة ما أعددناه لكم في حلقة هذا الأسبوع.
المحاورة: أيها الأخوة والأخوات لاشك في أن اللغة العربية تعرضت طيلة تاريخها خاصة في الحديث للكثير من الدعوات الهدامة والمدعومة من قبل المستعمرين من أعداء الاسلام الذين لايريدون الخير للمسلمين، تلك الدعوات التي كان أصحابها يدعون تحت غطاء التطور ومواكبة الأمم المتقدمة الى ما كانوا يسمونه بتطوير اللغة العربية وجعلها تواكب التطورات العلمية الهائلة التي حدثت خلال القرن الماضي فأطلقوا دعوات عجيبة وغريبة كان الهدف منها في الحقيقة القضاء على اللغة العربية بحيث لاتقوم لها قائمة حيث كانت غايتهم على المدى البعيد محاربة الدين الاسلامي وإضعاف كتابه القرآن الكريم الذي نزل باللغة العربية. وكان الشاعر المعاصر حافظ ابراهيم من بين الشخصيات التي إنبرت بكل حماس للدفاع عن لغة القرآن حيث ترك لنا في هذا المجال قصيدة تعد من روائع القصائد العربية في العصر الحديث، دافع من خلالها عن اللغة العربية وإستعرض إمكانياتها وقدراتها على مسايرة التطورات في جميع المجالات والدليل الأكبر على ذلك هي قدرتها على إستيعاب معاني الوحي الإلهي حيث كان الوعاء الذي إحتضن هذا الوحي بكل جدارة فكيف اذن تعجز هكذا لغة عن الإستجابة لمتطلبات التطور ومستجدات العلم والمعرفة كما يعلن الشاعر ذلك في قوله:

رجعت لنفسي فإتهمت حصاتي

وناديت قومي فإحتسبت حياتي

رموني بعقم في الشباب وليتني

عقمت فلم أجزع لقول عداتي

ولدت ولما لم أجد لعرائسي

رجالاً وأكفاءاً وأدت بناتي

وسعت كتاب الله لفظاً وغاية

وماضقت عن آي به وعظات

فكيف أضيق اليوم عن وصف

آلة وتنسيق أسماء لمخترعاتي

أنا البحر في أحشاءه الدر كامن

فهل سائلوا الغواص عن صدفاتي

فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسني

ومنكم وإن عزّ الدواء أساتي

فلا تكلوني للزمان فإنني

أخاف عليكم أن تحين وفاتي

المحاورة: أحبتي قبل أن نواصل إنشاد قصيدة الشاعر حافظ ابراهيم عن اللغة العربية لنا وقفة مع ضيف البرنامج الكريم الأستاذ الدكتور سعد الشحمان، السلام عليكم ضيفنا الكريم واهلاً ومرحباً بكم
الشحمان: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
المحاورة: في البداية دكتور بودي أن تتحدث شيئاً عن صاحب هذه القصيدة، شاعر النيل حافظ ابراهيم الذي يعد من مؤسسي النهضة الشعرية الحديثة في العالم العربي، طبعاً لو سمحتم التركيز على إتجاهاته وخصائص أسلوبه الشعري؟
الشحمان: في الحقيقة حافظ ابراهيم او محمد حافظ ابراهيم والذي كما أشرتم لقب بشاعر النيل نظراً لطرحه موضوعات بلده ولقب ايضاً بشاعر الشعب لأنه طرح قضايا شعبه السياسية والاجتماعية في قصائده وفي أشعاره. كما تفضلتم يعتبر من المؤسسين للنهضة الشعرية العربية في العصر الحديث وإسمه يقف في مستوى واحد مع شعراء كبار مثل الرصافي واحمد شوقي والزهاوي وغيرهم.
في الحقيقة لاتكمن عبقرية حافظ ابراهيم فقط جزالة الشعر وجماله وفي الموضوعات التي طرحها في شعره وإنما تكمن ايضاً في ثقافته الواسعة حيث حباه الله بذاكرة قوية جعلته يستوعب الآلاف من القصائد العربية القديمة والحديثة، ودرس وطالع الكثير في بطون الكتب هذه المعلومات وهذه الثقافة الأدبية واللغوية التي مدته بمعين لاينضب من الثقافة التي بدورها جعلته يتمكن من نظم الشعر من ناحية الأسلوب ومن ناحية المضمون فإذا بنا نرى هذا الجمال والجزالة والطرافة في أشعاره. من ضمن الخصائص القوية التي نلحظها في شخصية حافظ ابراهيم وفي شعره ايضاً أنه كان بمثابة مرآة صافية عكست بقوة وبشدة الأحداث الكبيرة التي وقعت في عصره وهذه الخصيصة جعلته يرتقي الى مصاف الشعراء المجددين في الشعر العربي، كانت لديه قدرة فائقة في إلتقاط المواضيع والمشاكل والأزمات والظواهر من صميم الحياة الاجتماعية والحياة السياسية ليصوغها لنا شعراً جميلاً جزلاً مختلطاً بأسلوبه الساخر الذي نعرفه عنه، كان من هذه الناحية شديد التأثير في سامعيه وكان سريع البديهة. وكما قلنا احداث عصره إنعكست في شعره فجاء شعره متدفقاً بالروح الوطنية وكما نعلم الفترة التي كان يعيش فيها خافظ ابراهيم وهي أواخر القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين او الثلاثينات، كانت مصر في ذلك الوقت ترزح تحت نير الاستعمار الانجليزي فقارع الاستعمار في أشعاره وطرح الكثير من الأشعار الرائعة التي صور لنا من خلالها بعض المآسي التي تحملها الشعب المصري من جراء الاستعمار في ذلك الوقت. ومن بينها الحادثة الشهيرة التي خلدها التاريخ والتي عرفت بعنوان "حادثة دانشواي" التي قتل خلالها الأنجليز عدداً من المصريين البسطاء في احدى القرى المصرية، قال في ذلك حافظ ابراهيم بإسلوب ساخر مرير:

أيها القائمون بالأمر فينا

هل نسيتم ولا انا والودادا

خفضوا جيشكم وناموا هنيئاً

وإبتغوا صيدكم وجوبوا البلادا

واذا اعوزتكم ذات طوق بين

تلك الربى فصيدوا العبادا

إنما نحن والحمام سواء

لن تغادر أطواقنا الأجيادا

الشحمان: هذا نموذج من شعره السياسي فأما شعره الاجتماعي فهو كثير وسبق وأشرت في احدى الحلقات الماضية الى أن حافظ ابراهيم يعتبر من ضمن الشعراء البارزين في مجال طرح القضايا الاجتماعية والقضايا الأخلاقية..
المحاورة: والسياسية ايضاً
الشحمان: نعم فضلاً عن القضايا السياسية التي أشرنا اليها.
المحاورة: بشكل عام هو يصور لنا تلك لفترة التي عاش فيها الشاعر وأهم أحداث تلك الفترة.
الشحمان: نعم أهم احداث تلك الفترة سواء على صعيد السياسة او على صعيد الاجتماع ولعل القصيدة التي أنشدها في مجال الأخلاق والتي يقول في بدايتها:

أني لتطربني الخلال كريمة

طرب الغريب بأوبة وتلاقي

وتهزني ذكرى المروءة الندى

بين الشمال هزة المشتاق

فإذا رزقت خليقة محمودة

فقد إصطفاك مقسم الأرزاق

الشحمان: ايضاً في نفس القصيدة يشير الى تربية النساء في الأبيات المعروفة والتي يعرفها جميع الناطقين باللغة العربية وتعتبر من روائع شعره في معالجة القضايا الاجتماعية وطرحها وأنا لاأريد الإطالة والنماذج كثيرة.
المحاورة: نعم شكراً لكم دكتور، شكراً لهذه المعلومات القيمة التي تفضلتم بها ضيفنا الكريم عن الشاعر حافظ ابراهيم آملين أن نتلقى المزيد من المعلومات إن شاء الله.
الشحمان: حياكم الله وبارك الله فيكم بإذن الله تعالى
المحاورة: تأخذ فاصل قصير ثم نواصل هذه الحلقة من برنامج سير القصائد من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران
المحاورة: أيها الأحبة ويواصل الشاعر دفاعه عن اللغة العربية وإثبات قدرتها على مسايرة التطور من خلال الاشارة الى تلك الدعوات الهدامة ذات الدوافع الصليبية. فلنستمع معاً لما يقوله الشاعر في هذا المجال:

أرى كل يوم بالجرائد مزلقاً

من القبر يدنيني بغير أناة

أيهجرني قومي عفا الله عنهم

الى لغة لم تتصل برواة

سرت لوثة الأفرنج فيها كما سرى

لعاب الأفاعي في مسيل فرات

فجاءت كثوب ضم سبعين رقعة

مشكلة الأوان مختلفات

الى معشر الكتاب والجمع حافل

بسطت رجائي بعد بسط شكاتي

فإما حياة تبعث الميت في البلى

وتنبت في تلك الرموس رفاتي

وإما ممات لاقيامة بعده

ممات لعمري لم يقس بمماتي

المحاورة: على أمل أن يحفظ الله اللغة العربية وهي اللغة التي نزل بها الوحي الإلهي من تلك الدعوات المغرضة نترككم في رعاية الله وحفظه ولايسعني إلا أن أشكر ضيفي الكريم الدكتور سعد الشحمان، شكراً لكم دكتور.
الشحمان: حياكم الله هذا أقل ما نفعله.
المحاورة: جزاكم الله خيراً. مستمعين الكرام حتى الملتقى أطيب التحيات والمنى ودمتم في أمان الله.