خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم أحبتنا المستمعين الأفاضل أينما كنتم السلام عليكم من دواعي سرورنا أن نجدد اللقاء بكم عبر واحة غناء أخرى من واحات الشعر العربي حيث الكلمة الصادقة والصورة الفنية الجميلة الأخاذة تتمازجان معاً لتنتج لنا احلى القريض وأروع القصائد الخالدة، ندعوكم أيها الأحبة الى متابعتنا عند ما قطفناه لكم في حلقة هذا الأسبوع من سير القصائد من رياض الشعر، تابعوني مشكورين.
مادامت يحكمنا الجنون..
سنرى كلاب الصيد
تلتهم الأجنة في البطون
سنرى حقول القمح ألغاماً
وضوء الصبح ناراً في العيون
سنرى الصغار على المشانق
في صلاة الفجر جهراً يصلبون
وحين يحكمنا الجنون
لافرحة في عين طفل
نام في صدر حنون
وتهون أقدار الشعوب
وكل شيء قد يهون
مادام يحكمنا الجنون
أطفال بغداد الحزينة يسألون..
عن أي ذنب يقتلون
يترنحون على شظايا الجوع
يقتسمون خبز الموت..
ثم يودعون
شبح الهنود الحمر يظهر في صقيع بلادنا
ويصيح فينا الطامعون
من كل صوب قادمون
من كل جنس يزحفون
تبدو شوارعنا بلون الدم
والكهان في خمر الندامة غارقون
تبدو قلوب الناس أشباحاً
ويغدو الحلم طيفاً عاجزاً
بين المهانة.. والظنون
هذي كلاب الصيد فوق رؤسنا تعوي
ونحن الى المهالك... مسرعون
المحاورة: أحبتي كانت تلك المقطوعة الحزينة المؤثرة المثيرة للأشجان مقطعاً من قصيدة "الى أطفال بغداد" للشاعر المصري المعاصر المبدع فاروق جويدة الذي عرف بهذا النوع من الأشعار التي يروي لنا من خلالها الواقع المتردي الذي بلغته الأمة بسبب تعاونها وإستكانتها وحالة الذل والخنوع التي إنغمست فيها وهي تواجه الهجمة الصليبية الشرسة الحاقدة التي دبت فيها الحياة من جديد لتنال هويتنا وكياننا وإنتماءنا الديني والثقافي والتاريخي. عن الشاعر فاروق جويدة وهذا اللون من الشعر الذي عرف عنه سيحدثنا ضيف البرنامج الاستاذ الدكتور سعدي الشحمان الذي شرفنا بحضوره في الستوديو، أرحب بك ضيفي الكريم أجمل ترحيب وشكراً لحضورك.
الشحمان: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأنا بدوري أحييكم وأحيي المستمعين الكرام وأشكر لكم هذه الطريقة الرائعة التي ألقيتم بها قصيدة الشاعر المصري المعاصر فاروق جويدة حقاً وقد وقعنا تحت تأثير هذه القصيدة وهذه الأبيات الجميلة
المحاورة: شكراً لك دكتور. دكتور حبذا لو تسلط الأضواء على شخصية هذا الشاعر المعاصر وهذا الأسلوب النقدي المتمرد الذي عرف به.
الشحمان: نعم الشاعر المصري المعاصر وطبعاً لايزال على قيد الحياة وهو من جيل الستينات ولد عام ۱۹٤٦، هذا الشاعر المتميز يعتبر من الأصوات الشعرية المتميزة في عصرنا الحاضر ويمكن أن نصنفه في خانة الشعراء المتمردين على الواقع المتردي الذي تعيشه الأمة على مستوى الشعوب وعلى مستوى الحكام إزاء الهجمة التي تتعرض لها الأمة من قبل أعداءها وخاصة على الواقع السياسي. في الحقيقة فاروق جويدة كان في الأصل كاتباً صحفياً، بدأ مسيرته الفكرية والثقافية ككاتب صحفي في مختلف الصحف في مصر وتخرج من كلية الآداب. وكما ذكرت تتميز تجاربه الشعرية بالصدق والتميز وتعتبر من السمات البارزة في حركة الشعر العربي المعاصر وأقول المعاصر جداً يعني في السنوات الأخيرة. يتميز هذا الشاعر بأسلوب خاص مزج في قصائده وأشعاره بين الإتجاه السياسي والإتجاه الوجداني ونقصد بذلك أنه طرح بعض القضايا السياسية وكما قلت من خلال التمرد وإعلان السخط على الواقع الذي نعيشه في الوقت الحاضر.
المحاورة: وعرف بهذا الأسلوب
الشحمان: نعم وهو يعتبر اذا صح التعبير من شعراء السخط على الواقع العربي كما نلاحظ ذلك أكثر من بعض الشعراء الآخرين من مثل الشاعر نزار قباني. طبعاً خاض الكثير من التجارب الشعرية على صعيد المضمون والشكل وبدأ بالقصيدة العمودية وله ثلاثة عشر مجموعة شعرية وكتب ايضاً بعض المسرحيات الشعرية الناحجة والتي حققت نجاحاً واسعاً وكبيراً في المهرجات المختلفة، تذكر منها الوزير العاشق ودماء على أستار الكعبة وهذه المسرحيات الشعرية ترجمت الى عدة لغات منها الانجليزية والفرنسية والصينية وغيرها من اللغات حتى أن بعض الطلاب تناولوا أشعاره ودواوينه ودرسوا أشعاره على شكل أطروحات جامعية في الجامعات المصرية وجامعات الدول العربية. وعناوين دواوينه تدل على هذه النزعة التي تسيطر وتطغى على أشعاره، هي النزعة السياسية الوجدانية، كما نلاحظ من خلال هذه العناوين مثلاً به مجموعة شعرية "أوراق من حديقة أكتوبر" "الوزير العاشق" "زمان القهر علمني" "كانت لنا أوطان" "شباب في الزمن الخطأ" "آخر ليالي الحلم" "دماء على أستار الكعبة" وغيرها من الدواوين الشعرية ومازالت مسيرة هذا الشاعر مستمرة ومازال يقدم العطاء الشعري في هذا المجال وأنا لاأريد أن أطيل حديثي خشية أن نحرم نحن والمستمعين من قراءة المزيد من قصيدته التي قرأتم بعضاً من أبياتها.
المحاورة: شكراً لك دكتور ولكن لايزال هناك من الوقت اذا كان لديكم بعض الشيء.
الشحمان: نعم اذا كان هناك وقت ياحبذا
المحاورة: نعم نأخذ فاصل قصير دكتور ثم نتواصل الحديث معك عن شاعرنا لهذه الحلقة فاروق جويدة. تابعونا مستمعينا
المحاورة: أطيب وأحلى التحيات لكم مستمعينا الكرام وأنتم برفقة هذه الحلقة من برنامجكم الأدبي سير القصائد. أعود الى ضيفي الكريم في الستوديو الدكتور سعدي الشحمان ليكمل لنا حديثه عن شاعرنا لهذه الحلقة فاروق جويدة
الشحمان: نعم في الحقيقة ليس حديثاً ولكن وددت أن أقرأ نموذجاً من شعر هذا الشاعر المبدع، له قصيدة لطيفة ومؤثرة وجميلة حول فلسطين وحول القضية الفلسطينية تحمل عنوان "ماذا تبقى من أرض الأنبياء؟" يقول:
ماذا تبقى من بلاد
لاشيء غير النجمة السوداء
ترتع في السماء..
لاشيء غير مواكب القتلى
وأنات النساء
لاشيء غير سيوف داحس التي
غرست سهام الموت في الغبراء
لاشيء غير دماء آل البيت
مازالت تحاصر في كربلاء
فالكون تابوت..
وعين الشمس مشنقة
وتاريخ العروبة
سيف بطش او دماء..
ماذا تبقى من بلاد الأنبياء؟
خمسون عاماً
والحناجر تملأ الدنيا ضجيجاً
ثم تبتلع الهواء..
خمسون عاماً
والفوارس تحت أقدام الخيول
تأن في كمد.. وتصرخ في إستياء
خمسون عاماً في المزاد
وكل جلاد يحدق في الغنيمة
ثم ينهب ما يشاء
خمسون عاماً
والزمان يدور في سأم بنا
فإذا تعثرت الخطى
عدنا نهرول كالقطيع الى الوراء..
المحاورة: نعم دكتور كما ذكرت النزعة السياسية في أشعاره واضحة جداً
الشحمان: نعم واضحة جداً
المحاورة: طيب دكتور اذا تسمح لي أواصل الحديث عن الشاعر وهذه القصيدة التي إستهلينا هذه الحلقة بها. نعم يواصل الشاعر العزف على نايه الحزين من خلال هذه القصيدة ونراه يتحول في المقطع التالي الى سمفونية هادرة تعري واقع الخنوع والمذلة والإستكانة، هذا الوقاع السادر في صمته وسكونه الى حد عدم إستجابته لصرخات الأطفال المنطلقة بين وقع حوافر جيوش التتر الجدد القادمة كالوباء الى بلادنا لتعيد مأساة الهنود الحمر الذين سحقتهم طاحونة الموت بالطريقة الأمريكية فغدو شذاذاً في الآفاق وهم أصحاب الأرض. هكذا يخاطب الشاعر أطفال العراق الذين روعتهم طائرات الشبح الأمريكية وحمم القذائف والصواريخ التي لم يغب عن بال العم سام أن يمزجها بمقبلات من نظائره المشعة وحممه الذرية السرطانية.
أطفال بغداد الحزينة في الشوارع يصرخون
جيش التتر.. يدق أبواب المدينة كالوباء
ويزحف الطاعون
أحفاد هولاكو على جثث الصغار يزمجرون
جثث الهنود الحمر تطفو فوق أعمدة الكنائس والحصون
صراخ الناس يقتحم السكون
أنهار دم فوق أجنحة الطيور الجارحات
مخالب سوداء تنفذ في العيون
مازال دجلة يذكر الأيام
والماضي البعيد يطل من خلف القرون
عبر الغزاة هنا كثيراً... ثم راحوا..
أين راح العابرون ؟؟
هذي مدينتنا.. وكم باغ أتى..
ذهب الجميع
ونحن فيها صامدون
المحاورة: مستمعينا في نهاية هذه الحلقة أشكر ضيفي في الستوديو الدكتور سعدي الشحمان لحضوره
الشحمان: وأنا أشكركم ايضاً على حسن الإستضافة
المحاورة: شكراً بك دكتور وإن شاء الله سألتقي بك وبالمستمعين الكرام في الحلقة المقبلة من برنامج سير القصائد، شكراً لطيب المتابعة وفي امان الله.