خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا مستمعاتنا في كل مكان السلام عليكم
عظيم السرور يغمر وجودنا ونحن نلتقيكم من جديد عند روضة أخرى غناء من رياض الشعر العربي حيث المتعة والفائدة وحيث التحليق في عالم الشعرالحالم ودنيا القوافي الآسرة آملين أن تقضوا معنا دقائق مفعمة بكل ماهو ممتع ومفيد.
أما لجميل عندكن ثواب
ولا لمسيء عندكن مثاب
لقد ظل من تحوي هواه خريدة
وقد ذل من تقضي عليه كعاب
ولكنني والحمد لله حازم
أعز اذا ذلت لهن رقاب
ولاتملك الحسناء قلبي كله
وإن شملتها رقة وشباب
صبور ولو لم تبق مني بقية
قؤول ولو أن السيوف جواب
وقور وأحداث الزمان تنوشني
وللموت حولي جيئة وذهاب
وألحظ أحوال الزمان بمقلة
بها الصدق صدق والكذاب كذاب
بمن يثق الانسان بما ينوبه
ومن اين للحر الكريم صحاب
وقد صار هذا الناس إلا أقلهم
ذئاباً على أجسادهن ثياب
المحاورة: مستمعينا مستمعاتنا ليس من العسير علينا أن نكتشف أن الأبيات التي انشدناها لتونا لابد أن تكون لأحد الشعراء الفرسان الذين تمتلأ نفوسهم أنفة وإباءاً وترفعاً عن دنايا الأمور وربما شيء الى النزعة من الشكوى من الدهر والناس. نعم إنه الشاعر الفارس صاحب النفس الأبية والعصي الدمع الأمير أبو فراس الحمداني، الشاعر الذي قاده حظه العاثر لأن يقع أسيراً بيد أعداءه الروم والأمّر من ذلك أنه أبتلي بتجاهل الصحاب وأبناء العمومة له وعدم إسراعهم الى دفع فديته وعتقه وعودته الى حياته الطبيعية وكأنهم كانوا يشمتون به ويتشفون به رغم وقفاته البطولية ونجدته لهم أيام الضيق والشدائد. إنها رومية من روميات الشاعر الكثيرة التي ضمنها برمه وسخطه وشكواه من الدهر. وفي الحقيقة فإن هذا الشاعر لم يكن يشكو سوى أهل هذا الدهر الذين طبعوا على الغدر والخيانة والتنكر. أحبتي عن هذا الشاعر الذي أنتج لنا أروع الحبسيات التي عرفها الشعر العربي سيحدثنا خبير البرنامج الذي شرفنا بحضوره في الستوديو الأستاذ الدكتور سعدي الشحمان وعن الخصوصيات التي ميزت شعره بقوة ومدى إنعكاس الظروف التي مر بها في شعره. نرحب بكم ضيفنا الكريم اهلاً ومرحباً بكم
الشحمان: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المحاورة: عليكم السلام والرحمة
الشحمان: أنا ايضاً بدوري أرحب بكم وأشكركم على هذه الاستضافة في هذا البرنامج
المحاورة: شكراً لهذا الحضور دكتور
الشحمان: حياكم الله
المحاورة: دكتور شاعرنا لهذه الحلقة هو أبو فراس الحمداني
الشحمان: نعم كما تفضلتم من السهل على المتتبع للأدب العربي أن يكتشف هذه القصيدة التي تفضلتم بقراءة بعض من أبياتها هي للشاعر الأمير والفارس أبو فراس الحمداني، هذا الشاعر الذي سجل لنا أروع القصائد والأبيات وأروع الشعر الانساني في مجال الشكوى من الدهر وفي مجال التعبير عن الأنفة التي كان يتمتع بها وعن همة علو نفسه وعن عزة نفسه بسبب الأحداث الكثيرة التي تعرض لها هذا الشاعر والتي تركت أثراً عميقاً في نفسه ولعل من أبرز هذه الأحداث التي تعرض لها هو تعرضه للأسر، الأسر الذي عانى منه الشاعر لمدة أربع سنوات كما يذكر المؤرخون ورغم أن الشاعر عانى منها ولكنها كانت فاتحة خير للشعر العربي اذ زودنا بأروع الأشعار الانسانية في مجال هذا الفن الذي يعرف بالحبسيات فما بالنا لوعرفنا أن ناظم هذه الأبيات هو شاعر فارس يتمتع بنفس أبية فنظم لنا هذا الشعر الجميل والرائع الذي ظل خالداً في تاريخ الأدب العربي وربما في تاريخ الشعر الانساني بشكل عام. نلاحظ لهجة السخط والتبرم ولهجة الغضب على الدهر وعلى اهل الدهر في جميع أرجاء أشعار أبي فراس وخاصة القصائد التي عرفت في الأدب العربي بالروميات، يقول في هذا المجال ولابأس أن نقرأ بعض أبياته في هذا المجال والتي يعبر عن المحنة التي تعرض اليها وعن تباطئ إبن عمه سيف الدولة في فداءه وفي إطلاق سراحه، يقول يخاطب سيف الدولة:
دعوتك للجفن القريح المسهد
لدي وللنوم القليل المشرد
وما ذاك بخلاً بالحياة وإنها
لأول مبذول لأول مجتدي
وما الأسر مما ضقت ذرعاً بحمله
وما الخطب مما أقول له قدي
ولست أبالي إن ظفرت بمطلب
يكون رخيصاً او بوسم مزود
ولكني أختار موت بني أبي
على صهوات الخيل غير موسد
وتأبى وآبى أن أموت موسداً
بأيدي النصارى موت اكمد أكبد
الشحمان: هذا الشعر الذي يعبر عن الألم الذي قاساه، ألم الغربة وألم البعد عن الوطن وآلام السجن وألم الابتعاد عن أحباءه وخاصة والدته. ولعلنا نلاحظ هذه اللهجة متجسدة كأحسن مايكون التجسد في قصيدة "أراك عصي الدمع" هذه القصيدة الخالدة التي تعتبر في رأيي أجمل القصائد التي نظمها أبو فراس ولعلها تعتبر من أجمل ما قيل في هذا المجال في الشعر العربي وهي:
أراك عصي الدمع شيمتك الصبر
أما للهوى نهي عليك ولا أمر
نعم أنا مشتاق وعندي لوعة
ولكن مثلي لا يذاع له سر
اذ الليل أضواني بسطت الهوى
وأذللت دمعاً من خلائقه الكبر
الشحمان: هذه القصيدة العظيمة
المحاورة: نعم حقيقة قصيدة خالدة
الشحمان: لوحة كاملة، لوحة زاهية عن الشاعر الفارس الذي يتميز اول مايتميز به بعزة النفس والإباء وعدم الإستعداد للخضوع والتذلل للآخرين. هذا هو أبو فراس الحمداني ولاأريد أن أطيل الكلام وحياكم الله.
المحاورة: شكراً جزيلاً لكم دكتور، لايسعنا ضيفنا الكريم إلا أن نقدم شكرنا وإمتناننا على هذه المعلومات القيمة التي زودتمونا بها وراجين منكم أن تسمحوا لنا الآن بأن نتواصل مع الأخوة المستمعين من خلال إنشاد المزيد من أبيات قصيدة الشاعر أبي فراس الحمداني في عتاب إبن عمه سيف الدولة والشكوى من الدهر، كونوا معنا.
وما كل فعّال يجازى بفعله
ولا كل قوّال لديّ يجاب
الى الله أشكو أننا بمنازل
تحكم في آسابهن كلاب
أنا الجار لازادي بطيء عليهم
ولادون مالي للحوادث باب
ولاأطلب العوراء منهم أصيبها
ولا عورتي للطالبين تصاب
بني عمنا مايصنع السيف بالوغى
اذا سلّ منه مضرب وذباب
بني عمنا لاتنكر الحق إننا
شداد على غير الهوان صلاب
وما زلت أرضى بالقليل محبة
لديك وما دون الكثير حجاب
كذلك الوداد المحض لايرتجى
له ثواب ولايخشى عليه عقاب
وقد كنت أخشى الهجر والشمل
جامع وفي كل يوم لفتة وخطاب
فكيف وفي بيننا ملك قيصر
وللبحر حولي زخرة وعباب
أمن بعد بذل النفس فيما تريده
أثاب بمر العتب حيث أثاب
فليتك تحلو والحياة مريرة
وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بينك وبيني عامر
وبيني وبين العالمين خراب
المحاورة: أيها الأحبة بهذا نصل وإياكم الى نهاية هذه الحلقة من برنامجكم سير القصائد، في النهاية أتقدم بالشكر الجزيل للأستاذ الفاضل الدكتور سعدي الشحمان الذي شرفنا بحضوره في الستوديو، دكتور شكراً جزيلاً لك
الشحمان: بدوري أقدم لكم شكري على هذه الإستضافة وأردد مع الشاعر ليت الذي يجري بيننا من لقاء من حوارات أدبية أن يستمر إن شاء الله في المستقبل.
المحاورة: إن شاء الله، بإذن الله تعالى. حتى الملتقى أطيب التحيات والمنى ودمتم في أمان الله.