البث المباشر

الشاعر عبيد بن الأبرص

الأحد 21 يوليو 2019 - 11:37 بتوقيت طهران

خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم أحبتنا المستمعين الأفاضل تحياتنا القلبية الخالصة نبعثها لحضراتكم معطرة بشذى الشعر وعطر القوافي ونحن نتفيء معكم مرة اخرى في ظلال الشعر الوارفة بين غدران القوافي وسواقي الأغراض والمضامين الرفيعة المرصعة بجواهر المعاني ولئالئ الصور الفنية الرائعة التي تمخضت عنها ريشة الشعراء الموهوبين على مر العصور.
المحاورة: اخوتنا أخواتنا من محبي الأدب ومتذوقي الشعر كثيرة هي القصائد الحكمية التي نسجتها قريحة الشعراء الجاهليين وكثيرون هم الشعراء الذين كادوا يتخصصون في هذا اللون من الشعر الذي يستعرض فيه الشاعر خبرته في الحياة، ومن هؤلاء الشعراء الذين تميزوا بقوة في هذا الغرض الشعري عبيد ابن الأبرص الأسدي الشاعر الذي راح ضحية نزوات الملوك وبطشهم. كما سنرى ذلك في قصة حياته والذي يعد من اصحاب المعلقات والمجمهرات ومن شعراء الطبقة الأولى.
المحاورة: مستمعينا الأفاضل وأما أروع قصائد عبيد على الاطلاق وأجملها فهي داليته المطولة التي يقول في مطلعها:

لمن دمنة أقوت بحرة ضرغد

تلوح كعنوان الكتاب المجدد


والتي طرزها بالمعاني والصور الجميلة وبدأها بالمسائلة عن دمنة صاحبته "سعدة" متغزلاً بها ومشبهاً إياها بالمها وينصرف الى وصف المهاة ليعود مرة اخرى الى سعدة وينطلق الى الفخر بنفسه وعفته وحلمه وحسن رأيه، ثم الى الحكم ونراه هنا يسخر من أمرئ القيس مغلفاً سخريته تلك بالحكمة. وببراعة شديدة ينهي القصيدة الشاهقة دون أن يختل او يضطرب او يصطنع لتبقى وحدها كافية بأن تشير اليه وتجعله في عداد الشعراء البارزين في العصر الجاهلي على امتداد خريطة الشعر مادام هناك من يقرأ العربية ويتذوق رحيقها المتدفق من أعماق الفجر العربي الأول وحتى يومنا هذا. وتلك الدالية الفضفاضة التي تركها عبيد كقلادة شعرية مطرزة بلئالئ الحكمة لم يكن كثيراً عليها أن يعتبرها النقاد من مجمهرات العرب ومن عيون الشعر على مر العصور، والحق أن تلك المعاني تمثل قمة الحكمة والتعقل ووزن الأمور بميزانها الصحيح ويبدو أن الأيام قد تركت بصماتها في وجدان الشاعر وصبغت كلماته بعصارة التجارب المريرة التي إكتوى بها طوال رحلة عمره المزمنة، فإذا كانت كتب التاريخ الأدبي تقول إن عمر الشعر العربي على أبعد حدود المتفائلين يبدأ قبل الاسلام بمئتي عام على أقصى تقدير واذا كان عبيد قد عاش الى الثلاثمئة من العمر كما قيل فإن هذا معناه أنه عاش نصفها بالتمام قبل أن يبدأ التاريخ الحقيقي للشعر فقد رحل قبل ميلاد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بحوالي ست عشرة سنة ميلادية كما أن بدايات عبيد الشعرية محاطة بالأساطير وتقول إنه كتب الشعر كبيراً وهذا معناه أنه عاصر جميع شعراء المعلقات وفحول العصر الجاهلي.
المحاورة: أعزائي الأفاضل بعد أن يقف عبيد على الأطلال في قصيدته يدلف بنا الى الحديث عن سعدة التي يسميها هنا سُعدة واصفاً مدى شوقه اليها ويقول:

فقد أورثت في القلب سقماً

يعوده عياداً كسم الحية المتردد

غداة بدت من سترها وكأنما

تحف ثناياها بحالك أثمد

وتبسم عن عذب اللثات كأنه

أقاحي الربى أضحى وظاهره ندي

فإني الى سُعدة وإن طال نأيها

الى نيلها ماعشت كالحائم الصدي


المحاورة: والإثمد مستمعينا الأفاضل هو الكحل وكان من عادة نساء العرب أنه يرششنه على لثاتهن ليبين نصوع بياض أسنانهن. واللثات جمع لثة، والحائم الصدي هو العطشان. وبعد أن يخلص الشاعر من وصف شوقه ولوعته وتحرقه الى سعدة التي أسعدته في أيامهما الخوالي نراه يزجي الحكم تباعاً كما لو لم تحفل بها أية قصيدة من قصائده الأخرى وذلك من خلال افتخاره بعفته وحلمه فيقول:

لعمرك مايخشى الخليط تفحشي

عليه ولاأنئى على المتودد

ولاأبتغي ود امرئ قلّ خيره

ولاأنا عن وصل الصديق بأصيد

وإني لأطفأ الحرب بعد شبوبها

وقد اوقدت للغي في كل موقد

فأوقدتها للظالم المصطلي بها

اذا لم يزعه رأيه عن تردد


المحاورة: ثم يعلن أنه ذو رأي سديد وفي الوقت نفسه لايقول إنه الأوحد في زمانه ويسدد نصائحه بسهولة ويسر وكأنه يتنفس عكس قصائده الأخرى التي بدا فيها وكأنه يقد من صخور، يقول عبيد:

وإني لذو رأي يعاش بفضله

وما انا بعلم الأمور بمبتدي

اذا أنت حمّلت الخئون امانة

فإنك قد أسندتها شر مسند

ولاتظهرن حب أمرئ قبل خبره

وبعد بلاء المرئ فإذمم او إحمد

ولاتتبعن رأي من لاتقصه

ولكن برأي المرئ ذي اللب فإقتد


المحاورة: أحبتي الأفاضل قبل أن نستأنف تطوافنا في رحاب قصيدة عبيد لنا وقفة مع خبير البرنامج الأستاذ الدكتور سعدي الشحمان، اهلاً بك دكتور سعدي والسلام عليكم
الشحمان: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وانا كذلك يغمرني الفرح والسرور لتجديد اللقاء بكم وبالمستمعين الأفاضل.
المحاورة: حياك الله، شكراً جزيلاً دكتور. كما تعلمون تقف في حلقة هذا الأسبوع إزاء أحد اعلام الحكمة في الشعر الجاهلي ألا وهو الشاعر عبيد بن الأبرص، نرجو من حضرتك تسليط الضوء لنا وللمستمعين الأعزة على شيء من حياة هذا الشاعر والخصوصيات التي ميزته عن سائر الشعراء الجاهليين.
الشحمان: في الحقيقة هنالك خصوصيات كثيرة ميزت هذا الشاعر وحياته، عبيد بن الأبرص كما تفضلتم يعتبر من الشعراء او من الرجال المعمرين في العصر الجاهلي حتى بلغ في عمره الى ثلاثمئة عام حسب الروايات ويعتبر من الشعراء الجاهليين من أصحاب المعلقات وعده البعض من شعراء الطبقة الأولى وتعرض الى حادثة كبيرة في حياته قلما تعرض اليها شاعر آخر وهي مصرعه على يد ملك الحيرة المنذر بن ماء السماء، على ما سنذكر ذلك بشكل مختصر. هذا الشاعر نظراً لطول عمره فقد عاصر الكثير من الشعراء ومنهم الشاعر أمرئ القيس وكانت له مناظرات ومناقضات كثيرة ويعتبر من الشعراء الدهات في الجاهلية ومن حكماءها، الكثير من الحكم نجدها منثورة في أشعاره ولعل طول عمره جعله ومكنه خلال حياته الطويلة أن يجمع الكثير من التجارب والحكم ويجب أن نذكر ايضاً أنه كان من اصحاب المجمهرات والقصيدة التي تفضلت بإنشاد بعض من أبياتها تعتبر من مجمهراته المعدودة من الطبقة الثانية من المعلقات وهو ايضاً من أصحاب المعلقات، له المعلقة الشهيرة والتي تكتنفها الكثير من الحكم والتي غدت من الحكم السائرة والمعروفة بين الشعراء. معلقته الشهيرة التي بدأها بقوله:

أقفر من أهله ملحوب

فالقطبيات فالذنوب


الشحمان: حتى يقول في هذه القصيدة الشهيرة في الحكمة:

فكل ذي نعمة مخلوس

وكل ذي أمل مكذوب

وكل ذي إبل موروث

وكل ذي سلب مسلوب

وكل ذي غيبة يئوب

وغائب الموت لايئوب


الشحمان: وكما أشرت هذا الشاعر تعرض الى حادثة، اذا صح التعبير كان شاعراً سيء الحظ. ورد على ملك الحيرة المنذر بن ماء السماء في يوم بؤسه، كما تعلمون كان لهذا الملك يومان، يوم بؤس ويوم سعد. فمن ورد عليه يوم سعده أتحفه بالهدايا وأكرمه وأعطاه مئة من الابل أما سيئوا الحظ الذين كانوا يردون عليه يوم شؤمه او يوم تعسه فكانوا يلاقون الموت يعني شر الموت فكان يقتلهم شر قتلة كما حدث لشاعرنا هذا عاثر الحظ فيقال في هذا المجال إن المنذر عندما ورد عليه الشاعر عبيد بن الأبرص في يوم بؤسه قال له: هلا كان الذبح لغيرك. ثم طلب منه المنذر أن ينشده معلقته، "أقفر من أهله ملحوب". ولكن عبيداً أجابه بنفس الوزن ونعا نفسه في هذا الشعر قال فيه:

أقفر من اهله عبيد

فليس يبدي ولايعيد

عنّت عنّت النكود

وحان منها له ورود


الشحمان: حتى مثل بين يدي هذا الملك الطاغية وأنشأ الشاعر يقول:

خيرني ذو البؤس في يوم بؤسه

خصالاً أرى في كلها الموت قد برق

كما خيرت عاد من الدهر مرة

سحائب مافيها لذي خيرة انق

سحائب ريح لم توكل ببلدة

فتتركها إلا كما ليلة الطلق


الشحمان: بإختصار هذه الحادثة الرئيسة التي حدثت في حياة هذا الشاعر. وهذا الشاعر الكبير يستمد اهميته من كونه عاصر الكثير من الشعراء وكونه عمّر عمراً طويلاً حتى مات قبل الاسلام ببضع سنوات ويعتبر من الشعراء المؤسسين للشعر العربي في العصر الجاهلي.
المحاورة: نشكرك بالشكر الجزيل دكتور سعدي، شكراً جزيلاً ضيفنا الكريم على هذه المعلومات القيمة التي تفضلتم بها حول الشاعر عبيد بن الأبرص ونشكرك ايضاً جزيل الشكر على حضورك في الستوديو
الشحمان: وأشكركم على حسن الاستضافة
المحاورة: حياك الله. اعزائي فاصل قصير ونعود اليكم
المحاورة: أحبتي الأفاضل وقتنا قد شارف على الانتهاء ولم يتسنى لنا قراءة ما تبقى من قصيدة عبيد لن الأبرص. نترككم في رعاية الباري عزوجل ونشكركم على طيب المتابعة والاصغاء، لكم منا اطيب المنى والتحايا والى اللقاء.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة