خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا مستمعاتنا في كل مكان السلام عليكم كل المراحب بكم ونحن نلتقيكم من جديد بين ربوع الشعر العربي وقصائده حيث الكلمة الصادقة والصورة الفنية الجميلة المصاغة باللغة الشعرية المؤثرة، ندعوكم أيها الأخوة والأخوات الى إصطحابنا في محطتنا لهذا الأسبوع من سير القصائد.
المحاورة: أيها الأحبة امل دنقل شاعر صادق مرهف الحس مناضل تلمح في شعره الصدق والتعبير الصادق، يرسم بشعره لوحات رائعة تعبر عن آلامه وآماله نستطيع أن نعيش مع كلماته ونستمتع بتذوق طعم لن نتذوقه في شعر غيره، إنه حالة من الحالات القلائل من الصدق والشعر القادر على الوصول الى كل قلب بصدق كلماته وجزالة تعبيره ومعايشته لهموم الأمة فلقد كرس الشاعر وهو ما يميز أشعاره لخدمة قضايا أمته ونعى فيها حالات الإستسلام والتكالب والتخلف عن الركب والخيانة التي هي أصل ادواءنا. كما نلمس ذلك بوضوح يقارب التجسيم في قصيدته الشهيرة "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" والتي يستعير فيها الشاعر الرموز التاريخية المشرقة ليسقطها على واقعنا الحالي فلنستمع معاً الى مقطع من هذه القصيدة قبل أن يجمعنا الحديث مع خبير البرنامج.
أيتها العرافة المقدسة
جئت اليك مثخناً بالطعنات والدماء
أزحف في معاطف القتلى
وفوق الجثث المكدسة
منكسر السيف
مغبر الجبين والأعضاء
أسأل يازرقاء
عن فمك الياقوت
عن نبوءة العذراء
عن ساعدي المقطوع
وهو لايزال ممسكاً بالراية المنكسة
عن صور الأطفال في الخوذات
ملقاة على الصحراء
عن جاري الذي يهم بإرتشاف الماء
فيثقب الرصاص رأسه
في لحظة الملامسة
عن الفم المحشو
بالرمال والدماء
أسأل يازرقاء
عن وقفة العزلاء بين السيف والجدار
عن صرخة المرأة بين السبي والفرار
كيف حملت العار؟
ثم مشيت دون أن أقتل نفسي !
دون أن أنهار!
ودون أن يسقط لحمي
من غبار التربة المدنسة
تكلمي أيتها العرافة المقدسة
تكلمي! بالله لاتغمضي عينيك
فالجرذان تلعق من دنيء حساءها
ولاأردها!
تكلمي!
لشدما أنا مهان
لا الليل يخفي عورتي
كلا! ولا الجدران
ولا إختبائي في الصحيفة التي أشدها
ولا إحتمائي في سحائب الدخان
المحاورة: أطيب وأحلى التحيات لكم مستمعينا الكرام وأنتم برفقة هذه الحلقة من برنامجكم سير القصائد، قصيدة رائعة ومؤثرة حقاً كانت هذه القصيدة للشاعر امل دنقل. أرحب بضيفي في الستوديو الأستاذ الدكتور سعدي الشحمان، دكتور السلام عليكم
الشحمان: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته تحياتي لكم أولاً وللمستمعين الكرام الذين يرافقونا دوماً عبر حلقات هذا البرنامج
المحاورة: نعم دكتور اليوم شاعرنا هو الشاعر المصري المعاصر أمل دنقل فنرجو منك الحديث عن طبيعة هذا الشاعر وأسلوبه الشعري وما تميز به هذا الشاعر من الناحية الشعرية وايضاً من المضمون والمفاهيم.
الشحمان: في الحقيقة الشاعر المصري المعروف والشهير الذي لاأدري لماذا هناك بعض التداعيات، عندما يذكر امل دنقل أتذكر دائماً شاعر العراق الكبير بدر شاكر السياب، هناك وجوه مشتركة كثيرة بين الشاعرين من حيث نزعتهما الوطنية ومن حيث معاناتهما من المرض في اواخر حياتهما، المرض الذي أدى الى موتهما وأدى قبل ذلك الى إنشادهما الكثير من القصائد الحزينة التي تصور الآلام التي عانوها. على كل حال أمل دنقل يعتبر من جملة الشعراء العرب ذوي النزعة الوطنية التي تشمل جميع البلدان العربية ومنها القضية الفلسطينية بشكل عام والقضايا والأحداث التي عاصرها أمل دنقل في بلده مصر. عاش امل دنقل في أسرة فلاحية، ولد في احدى القرى في صعيد مصر، تأثر بشخصية والده. كان والده عالماً من علماء جامعة الأزهر وعندما ولد له هذا المولود أطلق عليه أسم أمل وامل عند العرب عادة يطلق على البنات ولكن والده اطلق عليه هذا الأسم تيمناً به لأن والده حصل على إجازة العالمية في جامعة الأزهر فسماه بهذا الاسم تيمناً بهذا النجاح الذي حققه في هذا المجال وهكذا أسهم والده في تكوين اللبنة الأولى لهذا الأديب والشاعر ولكن هذا الشاعر سرعان ما تتابعت عليه المصائب والمآسي خلال حياته القصيرة فهو لايعمر سوى اربعين عاماً ونيف بسبب مرضه وهذا ما اكسبه الحزن في أشعاره. في الحقيقة اذا أردنا أن نحلل أشعار هذا الشاعر من الناحية المضمونية نرى في معظم قصائده حاول أن يستوحي الرموز، كما تفضلتم الرموز المشرقة من التراث العربي على العكس من معظم شعراء الخمسينات من القرن الماضي حيث كان السائد أن الشعراء كانوا يوظفون الميثولوجيا او الأساطير والرموز الغربية بشكل عام واليونانية بشكل خاص. هنالك الكثير من الأحداث نظراً الى أن هذا الشاعر ذو نزعة وطنية واضحة في الدرجة الأولى فنلاحظ أن أكثر قصائده جاءت كردة فعل للأحداث التي عاصرها ومنها القصيدة التي تفضلتم بإنشاد بعض مقاطعها وهي "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" وهي قصيدة شهيرة وتعتبر رائعة من روائع الشعر المعاصر. وايضاً له قصيدة اخرى لاتقل روعة وربما نخصص لها حلقة مستقلة تحمل العنوان "لاتصالح". أقرأ شيئاً منها وهناك الكثير من المعلومات سأعرض عنها بسبب ضيق الوقت وأقرأ مختارات من قصيدته الشهيرة "لاتصالح" التي قالها في السبعينات عندما حدثت معاهدة مايسمى بالسلام بين مصر واسرائيل في عهد الرئيس المصري أنور السادات، يقول فيها:
لاتصالح ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقه عينيك
ثم أثبت جوهرتين مكانهما
هل ترى؟
هي أشياء لاتشترى!
ذكريات الطفولة بين اخيك وبينك
حسكما فجأة بالرجولة
هذا الحياء الذي يكبت الشوق
حين تعانقه
حين تعانقه الصمت مبتسمين
لتأنيب أمكما
كأنكما ما تزالان طفلين
تلك الطمأنينة الأبدية بينكما
هل يصير دمي بين عينيك ماءاً؟
أتنسى ردائي الملطخ بالدماء؟
تلبس فوق دمائي ثياباً مطرزة بالقصب
إنها الحرب
قد تثقل القلب
لكن خلفك عار العرب
لاتصالح!
ولاتتوخى الهرب!
لاتصالح على الدم!
حتى بدم!
لاتصالح ولو قيل رأس برأس!
أكل الرؤوس سواء؟
أقلب الغريب كقلب أخيك؟
أعيناه عينا اخيك؟
الشحمان: القصيدة طويلة واكتفي بهذا القدر منها شاكراً لكم حسن الإستضافة
المحاورة: كل الشكر والإمتنان لكم دكتور لهذا الحديث الشيق والمفيد الذي تفضلت به دكتور ونرجو منك ومن مستمعينا الكرام أن تأذنوا لنا في التواصل مع مستمعينا عبر مقاطع اخرى من قصيدة "بكاء بين يدي زرقاء اليمامة". شكراً جزيلاً بكم دكتور.
الشحمان: حياكم الله
أيتها العرافة المقدسة
قبل لي اخرس
فخرست وعنيت
ضللت في عبيد عبس
احرس القطعان
أجتث صوفها
أرد نوقها
أنام في حظائر النسيان طعامي الكسرة
والماء وبعض الثمرات اليابسة
وها أنا في ساعة الطعان
ساعة أن تخاذل الكماة
والرماة والفرسان
دعيت للميدان
تكلمي أيتها العرافة المقدسة!
فها أنا على التراب سائل دمي
أسائل الصمت الذي يخنقني
ما للجمال مشيها وئيداً؟
أجندلاً يحملن أم حديداً؟
فمن ترى يصدقني؟
أسائل الركع والسجودا؟
أسائل القيودا؟
ما للجمال مشيها وئيداً؟
أيتها العرافة المقدسة!
ماذا تفيد الكلمات البائسة؟
المحاورة: أيها الأحبة وصلنا واياكم الى نهاية هذه الحلقة من برنامجكم سير القصائد حتى الملتقى اطيب التحيات والمنى ودمتم في رعاية الله.