خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم وبه تبارك وتعالى نستعين أيها الأحبة في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. مستمعينا الأفاضل من دواعي بهجتنا وسرورنا أن نجدد اللقاء بكم عبر محطة اخرى من محطات برنامجكم الأسبوعي المتجدد سير القصائد حيث جمال الفن يعانق جمال المضمون وحيث الصورة الجميلة تتناغم مع الكلمة الملتزمة لينتج لنا كل ذلك قصائد خلدتها الأيام، قصائد لاتبلى رغم مرور القرون وتعاقب العصور وهو ما نحرص على أن نقدمه لكم دوماً من خلال هذه الإطلالات الشعرية.
المحاورة: لم نخرج بعد مستمعينا الكرام من العالم الشعري للشاعر العراقي المعاصر بلند الحيدري فهو شاعر ممتد الجذور ومتواصل الإمتدادات في دنياه الشعرية الخاصة به، الدنيا المفعة بالحديث عن المنافي والغربة والتشرد الحافلة بالإحتجاج على الارهاب الفكري الهادف الى إستلاب هوية الانسان المثقف في ظل الأنظمة القمعية المصادرة للوجود والكيان، المحاولة دوماً إثبات كلمتها العليا بل فرض هذه الكلمة بمنطق القمع وأساليب الترهيب والبطش والقمع والتنكيل وهذا هو الحديث الشاغل للشاعر في كل ماصدر له من نتاجات طيلة عمره الحافل بالعطاء ومنها قصيدة "أنت مدان" او "الهويات العشر" التي تطرح أزمة المثقف العربي وهو رازح تحت سلطة الأنظمة الشمولية التي تنظر الى رعاياها كأطفال بحاجة الى التأديب والتعنيف والسير حسب توجيهاتها وأوامرها وتوصياتها في أفضل الأحوال، تعالوا معنا أيها الأحبة لنعيش محنة الشاعر الحامل معه هوياته العشر دون جدوى فهو في نظر السلطة طفل صغير يفتقد الى الهوية وعليه أن يكتسب هذه الهوية من السلطان الآمر الناهي والعليم بكل شيء.
غنيت، صفرت، صرخت، ضحكت
وأحسست أني أملك كل البحر
وكل الليل
وكل الأرصفة السوداء
إني أجبرها الآن على أن تصغي لي
أن تصبح رجعاً لندائي
ومددت يدي
مازالت عشر هوياتي في جيبي
هذا رسمي
هذا ختم مدير الشرطة في بلدي
هذا توقيع وزير العدل
وقد مدّ به زهو
حزّ فمي
وأطاح بسن من أسناني
خدش بعضاً من عنواني
وخشيت بأن!!!
فبلعت لساني
ومعي سبع هويات اخرى
أقسم لو مر بها جبل، أحنى قامته!
وقال هي الكبرى
عن شعري، عن أدبي، عن علمي، عن فني
عشر هويات
في زمن لايملك أي هوية!!!
المحاورة: أطيب وأحلى وأزكى التحيات لكم أيها الكرام وأنتم برفقة برنامجكم الأدبي سير القصائد من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. احبتي اما الآن يشرفني حضور الدكتور سعدي الشحمان معي في الستوديو دكتور السلام عليكم
الشحمان: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وأنا لي الشرف بأن أجدد اللقاء بكم
المحاورة: هذا من دواعي سرورنا دكتور. في الحلقة الماضية تحدثنا شيئاً عن الشاعر العراقي المعاصر بلند الحيدري، اليوم بودنا أن نكمل مشوار حديثنا كما ذكرت في الحلقة الماضية وأن تتحدث لنا دكتور عن عالمه الشعري الخاص به.
الشحمان: نعم كان حديثنا كما تفضلتم شيئاً من أشياء كثيرة وهذا الشاعر يستحق دراسة مستقلة تظراً الى انه يمثل رائداً من رواد المدرسة الشعرية المعاصرة ومن المؤسسين للحركة الشعرية المعاصرة في العالم العربي بشكل عام وفي العراق بشكل خاص. وفي الحقيقة هناك الكثير من الشعراء الشباب يحذون حذو بلند الحيدري في طريقته الخاصة والمتميزة به حتى أن بعضاً من النقاد يعتبرون أن مدرسة قائمة بحد ذاتها من حيث التعبيرات ومن حيث المعاني التي يطرحها ومن حيث الاتجاهات العامة التي نراها في أشعاره. في الحقيقة كان لثقافته دور كبير في تشكيل شخصيته الشعرية، كان هذا الشاعر حريصاً على تثقيف نفسه حتى قيل عنه إنه كان يبقى لساعات متأخرة في احدى المكتبات العامة وكوّن صداقة مع حارس المكتبة..
المحاورة: ليتمكن من القراءة أكثر فأكثر
الشحمان: نعم الناس العظماء دائماً يصلون الى نبوغهم من خلال التعب والعناء الكثير. درس الأدب العربي، درس النقد الأدبي حتى أنه درس علم النفس وكان معجباً ببعض علماء النفس..
المحاورة: اذن كان ذا إلمام بعدة علوم وليس فقط العلوم الأدبية
الشحمان: نعم ليس في الأدب والتراث فحسب بل بالكثير من العلوم وفي الفلسفة ايضاً حيث قرأ الفسلفة وخاصة الفلسفة الغربية. وفي مرحلة من مراحل حياته تبنى الوجودية في طريقة تفكيره. على كل حال بلند الحيدري كما قلنا يعتبر من رواد الشعر العربي في مجال التجديد وقصائده من نوع قصائد الشعر الحر قبل وصولها الى قصيدة النثر وقبل أن يتخلى الشعراء عن التفعيلات في هذا النوع من الشعر، كان من وراد الشعر الحر وبالتحديد شعر التفعيلة كما لاحظنا ذلك جلياً في القصيدة التي تفضلتم بإنشادها. أنتج في الحقيقة بلند الحيدري خلال مسيرته الشعرية الطريلة التي قضى معظمها في الغربة وفي المنفى، انتج الكثير من الدواوين الشعرية إعتباراً من خمسينيات القرن الماضي منها خفقة الطين وأغاني المدينة الميتة وجئتم مع الفجر وخطوات في الغربة وأغاني الحارس المتعب وزمن لكل الأزمنة والكثير من الدواوين الشعرية الأخرى التي لم يشر اليها. هنا اود أن أقرأ بعضاً المقاطع من قصائده. بالمناسبة بلند الحيدري يتميز بالأسلوب السردي والروائي في قصائده وهو بارع في تصوير الأشياء والحالات المختلفة وتصوير المشاعر والأحاسيس النفسية التي تطرأ عليه وعلى الآخرين عندما يسرد تجاربه الشعرية منها هذه القصيدة التي قالها وهو في المنفى معبراً عن حنينه الى وطنه ومستعرضاً ذكرياته في وطنه يقول:
لن اذهب، لن أذهب
ما أتعس أن أقضي كل حياتي في عتمة مكتب
نفس وجه مرمي على الطاولة السوداء
نفس الزمن المترهل في الظل
ونفس الأوراق المنساء
نفس الحرف المتسائل عن حرف
وعلى الحائط ما زال اسمك ياوطني
ياوجهي في الذل وفي الجبن
ما زال أسمك يوشك أن يفتح عينيه
يمد ذراعيه
يقول تعال اليّ يالمائت بإسمي
الشحمان: يالمائت يعني يا ايها الميت او يا أيها المائت بالمناسبة بلند الحيدري يتميز بتعبيرات خاصة به
المحاورة: مستحدثة من قبله
الشحمان: نعم وهو يميل دائماً الى إدخال أل التعريف على المنادى فبدلاً من أن يقول يا أيها الميت يقول مثلاً يالميت او المائت وايضاً في صياغة صيغ التعجب ايضاً يستعمل حرف النداء في إظهار تعجبه من الشيء كقوله مثلاً:
أجبني يابخل ذراعيه
فلقد أرهقني وجهي المرمي
على الطاولة السوداء
وتعبت من التوقيع على كذب
سيذاع صباح مساء
وكرهت شعارات الجوفاء
ما أتعس أن أذهب
ما أتعس أن أقضي كل حياتي
في عتمة مكتب
الشحمان: هذا نموذج من النماذج التي تحفل بها دواوينه ولو قدر لبلند الحيدري او لو إتجه الى الكتابة الروائية أعتقد أنه لكان ماهراً ايضاً
المحاورة: بارعاً في هذا الفن ايضاً علاوة على كل ما برع فيه من المجالات الأدبية المتعددة
الشحمان: نعم هذا قصارى ما نستطيع أن نتحدث عنه فيما يتعلق بشخصية الشاعر بلند الحيدري
المحاورة: شكراً جزيلاً لك دكتور اذا تسمح لي دكتور في مواصلة التطواف بين رحاب مقاطع أخرى من قصيدته "أنت مدان" سنكون مع مستمعينا الكرام بعد هذا الفاصل.
في الثاني
كان ببابي شرطيان
سألاني من أنت؟
أنا؟ بلند بن اكرم!
وأنا من عائلة معروفة
وأنا لم أقتل أحداً
وأما لم أسرق أحداً
وبأني، فلماذا؟
ضحك مني!!
من كل هوياتي العشر
ورأيت يداً تومض في عيني
تسقط ما بين الخيبة والجبن
أنت مدان ياهذا!!
المحاورة: أيها الأحبة مع الأسف لقد داهمنا الوقت ونصل وإياكم الى نهاية برنامجنا سير القصائد قدمناها لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران وفي النهاية كل شكري للدكتور سعدي الشحمان، دكتور شكراً جزيلاً لكم
الشحمان: حياكم الله نأمل إن شاء الله أن نجدد اللقاء بكم
المحاورة: إن شاء الله في الحلقات المقبلة. شكراً لكم مستمعينا الكرام وحتى الملتقى أطيب المنى.