خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم وبه تبارك وتعالى نستعين أيها الأخوة والأخوات أينما كنتم كالمسافات وإن تطاولت وترامت والآفاق وإن إمتدت وتمادت لايمكنها أن تقطع تواصلنا وأن تقف حائلاً دون ترابطنا لسبب بسيط هو أننا نتواصل معكم عبر لغة الشعر التي لاتعرف المسافات والتي تذوب أمامها الفواصل والحواجز وتتحطم الجدران والقيود فتنطلق القلوب والأرواح ما شاء لها الانطلاق في عالم المشاعر والعواطف الانسانية النبيلة والسامية من خلال الكلمة الصادقة والصورة الفنية الجميلة التي تتلقاه كل نفس وتستقبلها كل روح. نرحب بكم أيها الأفاضل كل الترحيب في هذه المحطة الجديدة من برنامجكم سير القصائد.
يحب قلبي خباياها ويعبدها
اذا تبرئ قلب من خباياه
طفولة روحي اغلى ما أدل به
والحب أعنقه عندي وأوفاه
قلبي الذي لون الدنيا بجذوته
أحلى من النور نعماه وبؤساه
غر وأرفع مافيه غرارته
وأندل الحب جلّ الحب أدهاه
ما الحسن إلا لبنات منمقة
لكن يؤلمه أن لاعشقناه
لم يرضه ألف جرح من فواجعه
حتى أصيب بسهم منك أرداه
المحاورة: أيها الأحبة الأبيات التي إنسابت الى مسامعكم قبل الفاصل ليست من العصر نواسي ولاهي من بنات أفكار المتنبي او صور تزينها الصناعات البديعية أبو تمام او ابن الرومي او البحتري في عصر عباقرة الشعر وتوابغه بل هي لشاعر معاصر قريب العهد بنا هو من جملة الأبناء الشرعيين لأولئك الأفذاذ والمذكرين إيانا بذلك العصر الذهبي الذي سما فيه الشعر العربي الى ذروة الابداع مضموناً وقالباً، إنه الشاعر السوري المعاصر الذي عرف ببدوي الجبل وإن شئتم سموه محمد سليمان الأحمد، الشاعر الذي أثبت مع شعراء قلائل إنتموا الى نفس مدرسته الكلاسكية من مثل الجواهري وأبي شبكة وبشارة الخوري والبردوني أن القالب القديم لايزال حياً ولايزال قادراً على العطاء والابداع والتأثير والمشاركة في الحياة والتفاعل معها شريطة أن يتمتع الشاعر بالموهبة والثقافة الأدبية واللغوية والتاريخية التي تمده دوماً بأسباب العطاء والإثراء.
المحاورة: أطيب وأحلى التحيات لكم مستمعينا الأفاضل وأنتم برفقة هذه الحلقة من برنامجكم سير القصائد من اذاعة طهران العربية وربما شاركنا خبير البرنامج الأستاذ الدكتور سعدي الشحمان رأينا هذا بشأن فرسان القصيدة العربية الذين لايزالون يصولون في حلبة العطاء الشعري ويدافعون عن جمالية هذه القصيدة ومضامينها الانسانية في عصر شهد نضوب الموهبة وتطفل المتشاعرين. نرحب بكم دكتور في هذا اللقاء الجديد.
الشحمان: حياكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المحاورة: وعليكم السلام والرحمة
الشحمان: نعم الشاعر بدوي الجبل او كما تفضلتم محمد سليمان الأحمد يعتبر من فرسان القصيدة العربية القديمة والكلاسيكية في العصر الحديث ويمكن أن نصفه وأنا شخصياً أصفه ببقية السيف او البقية الباقية مع شعراء آخرين من القصيدة العربية القديمة العتيدة. هذا الرجل الذي اشتهر بإسم مستعار في قصائده وأشعاره وديوانه وهو بدوي الجبل، وفي هذا المجال قصة طريفة تبين السبب الذي أطلق عليه هذا اللقب وهو أنه في بداية مسيرته الشعرية نظم قصيدة وأرسلها الى احدى المجالات في سوريا، كانت قصيدة وطنية إحتج فيها على وجود المستعمر الانجليزي في بلاده، عندما نشر هذه القصيدة وأراد أن يطالعها في الجريدة فوجأ بهذا الاسم فسأل صاحب الجريدة وهو الأستاذ يوسف العيسى عن سبب هذه اللقب عليه من تلقاء نفسه فقال إن الناس يقرأون للشعراء المعروفين ولست منهم، طيعاً هذه في بداياته الشعرية وهذا التوقيع المستعار يحملهم على أن يقرأوا الشعر للشعب ويتسائلوا من يكون هذا الشاعر المجيد وأنت في ديباجتك بداوة وتلبس العباءة وتعتمر العقال المقصب وأنت ابن جبل اذن انت بدوي الجبل، هكذا لقبه هذا الأديب والناقد الكبير هكذا سار هذا اللقب على الألسن ورضي به الشاعر كلقب له وعرف به طيلة مسيرته الشعرية. على كل حال بدوي الجبل او محمد سليمان الأحمد كان يجمع في ذاكرته ثقافة لغوية كبيرة وهذا هو ديدن الشعراء الذين تميزوا بالفصاحة والجزالة في أشعاره وهو يقف في مستوى واحد مع شعراء وفطاحل وعمالقة كبار من مثل محمد مهدي الجواهري، البردوني، الياس ابو شبكة وبشارة الخوري الذين لم يحيدوا ولو بمقدار أنملة عن مسيرة الشعر العربي القديم من حيث القالب ومن حيث الشكل والمضمون وإن كانوا قد جددوا في المواضيع والمضامين يعني طرحوا مواضيع العصر الحديث في هذا القالب القديم وأثبتوا بذلك أن القصيدة العربية الكلاسيكية والقديمة لازالت حية ولازالت ثرة وقادرة على العطاء والتفاعل مع قضايا الحياة، طبعاً شريطة أن يتمتع الشاعر بالموهبة الفنية اللازمة التي تغذيه في هذا المجال وتجعله يطرح تجارب موضوعية ووجدانية حديثة في قالب الشعر القديم وأنى لهم بمثل هؤلاء الشعراء؟ هم شعراء نوادر وقلائل الى حد كبير ومعظمهم رحلوا من بيننا. الشاعر بدوي الجبل عرف بموهبته الشعرية منذ بداية شبابه وتقرب من العديد من الشعراء المعروفين في زمانه من بينهم محمد كرد علي ومصطفى الغلاييني والأديب مظهر وايضاً تأثر بشعراء كبار كانوا يعاصرونه او ظهروا قبله منهم الشاعر العراقي الكبير جميل صدقي الزهاوي وبشارة الخوري ومنهم ايضاً الشاعر العراقي الكبير المعاصر له محمد مهدي الجواهري. بدوي الجبل جمع بين عملين، العمل الأدبي والعمل السياسي حتى أنه عين عدة مرات في المجلس النيابي السوري وعين ايضاً في عدة وزارات وهو يصف نفسه ويصف ثقافته أروع وصف ويصف الشعب العربي في الحقيقة حيث يقول: إنه سلسلة متصلة تزهو بأسماء كبيرة تركت لنا الابداع الذي كان لنا ثورة وتراثاً ومحرضاً الى أن نرتفع الى مستواه وأن نكمل رسالته الابداعية. وهنا ايضاً يشير الى بعض الشعراء القدامى ويقول وأدبنا العربي من أرقى وأعظم آداب العالم ولكني أحب بصفة خاصة من القدامى المتنبي ومهيار الديلمي وأحب من المعاصرين شفيق جبري وامين نخلة وبشارة الخوري ومحمد مهدي الجواهري وعمر ابو ريشة
المحاورة: يعني كان متأثراً بهم
الشحمان: نعم تأثر بهم
المحاورة: وترك بصمات عميقة في مسيرة الشعر العربي المعاصر
الشحمان: نعم حتى أن بعض النقاد اعتبروه مدرسة شعرية قائمة بحد ذاتها وهذا إن شاء الله سوف نتحدث عنه في القسم القادم من حديثنا حول هذا الشاعر بإذن الله تعالى.
المحاورة: شكراً لكم. طبعاً دكتور بعد هذا الحديث القيم الذي تفضلت به مشكوراً حول الشاعر السوري المعاصر بدوي الجبل الذي ستكون له صلة في لقاءنا القادم إن شاء الله ندعوكم دكتور وندعو مستمعينا الكرام لنجول معاً بين رحاب المزيد من أبيات قصيدة الشاعر التي حملت عنوان "اللهب المقدس" حيث يواصل الشاعر تأملاته في الحياة مغلفاً تأملاته بشيء من المسحات الصوفية ذات الملامح الحزينة البالغة في بعض الأحيان حد الشكوى من الزمان والناس حيث الإستهانة بالقيم المقدسة وعلى رأسها الحب الخالص كأنه لهيب النار. نستمع معاً مستمعينا الأفاضل الى هذه الأبيات.
آمنت باللهب القدسي مضرمه
أزكى الألوهة فينا حين أذكاه
نزين الروح قرباناً لفتنته
وقد يظن فتستجدي مناياه
ولو أقام الضحايا من مصارعها
لآثرت موتها فيه ضحاياه
والعبقريات وهج من لوافحه
والشمس مجلوة احدى هداياه
ما راعانا الدهر بالبلوى وغمرتها
لكننا بالإباء المر رعناه
المحاورة: شكراً لطيب متابعتكم مستمعينا الأفاضل وحتى الحلقة المقبلة من هذا البرنامج نترككم في أمان الله