خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم وبه تبارك وتعالى نستعين مستمعينا الأفاضل أينما كنتم حياكم الله يسرنا أن نجدد اللقاء بحضراتكم عبر رحلة اخرى بين آفاق القصائد العربية من خلال برنامجكم الأسبوعي سير القصائد حيث نستكمل في هذه المحطة من البرنامج سيرنا في عالم الأعشى الشعري الغريب والمتنوع في أغراضه. ندعوكم لمرافقتنا.
المحاورة: أيها الكرام إخترنا لكم من شعر الأعشى في حلقتنا لهذا الأسبوع قصيدته في مدح النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، هذه القصيدة التي كتب لها الذيوع والانتشار ولكن لم سكتب لصاحبها أن يكون من السعداء في الدنيا والآخرة فلقد شاءت المقادير او لنقل شاءت ارادة المشركين الذين كانوا يضمرون الحقد والعداء للدعوة الاسلامية وحاملها أن يصرفوا هذا الشاعر الكبير عن مواصلة سيره نحو النبي صلى الله عليه وآله وسلم كي يعلن اسلامه على يديه من خلال إنشاده لهذه القصيدة الرائعة التي تحمل من معاني الزهد والحكمة والتعطش للتعرف على مبادئ الاسلام وتعاليمه الشيء الكثير على أنها مع ذلك تمثل رؤية شاعر جاهلي للاسلام وللدعوة وصاحبها ويتبدى من خلال تحليل بناءها الداخلي وذكر الأعشى المال فيها حتى وهو ينظر اليه كنوع من الصدقة والعطاء الذي جاء به الاسلام. كما أن تحليل القصيدة من حيث بناءها الفني يلحظ فيه نفس البناء الذي سار عليه شعر الأعشى مع التحول في المضامين التي يدرك من خلالها الأعشى أنه ليس أمام ممدوح مبقية الممدوحين ولكنه امام نبي يرى مالايرون. ومن هنا ظهرت خطوط الرسالة الاسلامية كما سمع عنها الأعشى واضحة في بماء القصيدة. فلنستمع أيها الكرام معاً بعد الفاصل الى مقاطع من هذه القصيدة التي بدأها الأعشى على غير عادته بإعلان زهده في الدنيا وإعراضه عنها.
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا
وبتنا كما بات السليم مسهدا
وما ذاك من عشق النساء
وإنما تناسيت قبل اليوم خلت مهددا
ولكن أرى الدهر الذي هو خائن
اذا أصلحت كفاي عاد فأفسدا
شباب وشيب وإفتقار وثروة
ف لله هذا الدهر كيف هذا الدهر ترددا
ومازلت أبغي المال مذ أنا يافع
وليداً وكهلاً حين شبت وأوردا
وأبتذل العيس المراقيل تغتلي
مسافة ما بين النجير فصرخدا
فإن تسألي عني فيارب سائل
حفي عن الأعشى به حيث أسعدا
ألا أي هذا السائل اين يممت
فإن لها في اهل يثرب موعدا
فآليت لاأرثي لها من كلالة
ولا من حفى حتى تزور محمدا
المحاورة: أيها الكرام بعد هذا التطواف بين أبيات مطلع قصيدة الأعشى في مدح النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يسرنا أن يجمعنا اللقاء بخبير البرنامج الأستاذ الدكتور سعدي الشحمان راجين أن يكمل لنا وللمستمعين الأكارم حديثه حول هذا الشاعر وعالمه الشعري الغريب الذي يبدو فيه متشبباً مرة مولعاً باللهو مرة اخرى ملحاً في المديح مرات طمعاً في النوال حكيماً زاهداً أحياناً اخرى. أهلاً ومرحباً دكتور السلام عليكم
الشحمان: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يسرني أن ألتقيكم وأن ألتقي المستمعين الكرام في هذه الحلقة الجديدة من البرنامج
المحاورة: أهلاً ومرحباً بكم. دكتور في الحلقة الماضية من البرنامج تحدثنا شيئاً عن الشاعر الجاهلي الأعشى
الشحمان: نعم تحدثنا عن هذا الشاعر الكبير الأعشى او أعشى قيس وذكرنا أنه يعتبر بحق وبجدارة من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية ومن أصحاب المعلقات. ذكرنا أنه يتميز بشخصية جمعت بين عدة ثقافات بالاضافة الى الثقافة العربية، الثقافة الفارسية والثقافة اليونانية ربما في بعض المؤثرات وفي بعض الكلمات التي كان يستخدمها فقد كان كما ذكرنا دائم الترحال، كان ينتقل في سبيل التكسب بشعره من منطقة الى اخرى وفي الكثير من الأحيان كان يتجاوز حدود الجزيرة العربية في تطوافه ليلتقي بأشخاص يمثلون ثقافات اخرى. هنا نريد التأكيد على جانب المدح والتكسب في شخصية الأعشى، عرف الأعشى أنه من الشعراء المتكسبين في شعره كما ذكر ذلك أكثر من ناقد وأكثر من عالم في اللغة والشعر ومن جملتهم صاحب كتاب الأغاني الذي قال إن الأعشى أول من سأل بشعره، خاصة الملوك وكان يكثر من الوفود على الملوك والشخصيات الوجيهة في ذلك الوقت. كانت له نظرة خاصة في مجال هذا الشعر الذي حاول أن يتكسب من خلاله كما وردت الاشارة في الأشعار التي تفضلتم بإنشادها حول النبي صلى الله عليه وآله وذكر فيها أنه كان يتكسب بالشعر منذ أن كان صبياً وربما السبب في ذلك كثرة نفقاته مثلاً، لأنه كان دائم الترحال فيحتاج الى موارد مالية كثيرة اضافة الى أنه هو نفسه كان يعتبر من الأشخاص كما يقال التلافين الذين لايمسكون أيديهم ويصلون في نفقاتهم الى حد المبالغة، وله فلسفة خاصة في هذا المجال نجدها متجسدة في بعض الأبيات من أشعاره وفي معاني اخرى يرددها في أشعار اخرى فهو يخاطب إبنته في ذات مرة عندما لامته على أنه كثير السفر وكثير التطواف في سبيل المال فأجابها مبرراً هذا المسعى الذي يقوم به سبيل الثروة وأشار الى أنه يرفض البقاء على الفقر والحرمان. يقول في هذا المجال:
وقد طفت للمال آفاقه
عمان فحمص فأوراشلاً
الشحمان: اوراشلاً يقصد أورشليم او فلسطين
أتيت النجاشي في أرضه
وأرض النبيط وأرض العجم
فنجران فسرو من حمير
فأي مرام له لم أرم
ومن بعد ذلك حضرموت
فأوفيت همي وحيناً أهم
ألم تري الحضر اذ أهله
الشحمان: الحضر يقصد منطقة في الموصل
ألم تري الحضر اذ أهله بنعمى
الشحمان: يعني هو وصل في ترحاله حتى الشمال الغربي من الجزيرة العربية
ألم تري الحضر اذ أهله
بنعمى وهل خالد من نعم
الشحمان: نعم هذه بعض
المحاورة: نعم فلسفته في الحياة
الشحمان: نعم بعض التأملات التي كان يعكسها في أشعاره حول شخصيته وحول سلوكياته. لاأريد أن أطيل الحديث فالقصيدة التي أنتم بصدد إنشادها قصيدة جميلة وتستحق أن تنشدوا منها المزيد من الأبيات.
المحاورة: شكراً جزيلاً دكتور لهذه الايضاحات التي تفضلت بها حول الشاعر الأعشى. لو تسمحوا لي دكتور ندعوكم للمواصلة بين أرجاء قصيدتنا في مدح النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. تابعونا بعد الفاصل مستمعينا الكرام
المحاورة: بعد ذلك المطلع مستمعينا الأكارم يبدأ الشاعر الأعشى بوصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورسالته والقيم التي إحتوتها هذه الرسالة حيث يقول مخاطباً ناقته:
متى ما تنيخي عند باب بن هاشم
تريحي وتلقي من فواضله ندى
أجدك لم تسمع وصات محمد
نبي الإله حيث أوصى وأشهدا
اذا انت لم ترحل بزاد من التقى
ولاقيت بعد الموت مد قد تزودا
ندمت على قد لاتكون مثله
فترصد للموت الذي كان أرصدا
المحاورة: ثم يذكر بعض خطوط التشريع الاسلامي التي كانت جديدة على اهل الجاهلية
فإياك والميتات لاتقربنها
ولاتأخذن سهماً حديداً لتفصدا
ولاالنصب المنصوب لاتنسكنه
ولاتعبد الأوثان والله فأعبدا
وصل على حين العشيات والضحى
ولاتحمد الشيطان والله فاحمدا
ولا السائل المحروم لاتتركنه
لعاقبة ولا الأسير المقيدا
ولاتسخرن من بائس ذي ضرارة
ولاتحسبن المال للمرء مخلدا
المحاورة: وصلنا وإياكم الى نهاية هذه الحلقة من برنامجكم الأسبوعي سير القصائد. كل الشكر والتقدير لكم دكتور
الشحمان: انا ايضاً أشكركم على حسن الاستضافة
المحاورة: حياكم الله، وشكراً لكم مستمعينا الأفاضل حتى الملتقى أطيب التحيات والمنى في امان الله.